ماجد حبته
القرار تأخر كثيرًا، وكان من الممكن أن يتأخر أكثر، لولا أن «إخوان تونس» استعجلوه، وأجبروا الرئيس التونسى، بغبائهم المعهود، على حلّ البرلمان، الذى كان تم تجميده، بموجب قرارات استثنائية، تصحيحية أو تاريخية، صدرت، فى ٢٥ يوليو الماضى، لتنهى عشر سنوات من اختطافهم للدولة. ولعلك تتذكر أننا أشرنا وقتها إلى أن معركة التونسيين لاسترداد وطنهم، ستطول، لو لم يتم بتر أظافر الإخوان واستئصال جذورهم.

بالفعل، أظهر «الإخوان» أنيابهم، وأخرجوا عملاءهم من كهوفهم، بعد أن فشلوا فى حشد الداخل والاستقواء بالخارج، وصولًا إلى قيام عدد من أعضاء برلمانهم المجمد بعقد جلسة افتراضية، قرروا خلالها إلغاء إجراءات ٢٥ يوليو الاستثنائية، التصحيحية أو التاريخية، وهى الجلسة التى وصفها الرئيس التونسى، بأنها «محاولة انقلاب فاشلة»، قبل أن يضطر إلى إصدار قرار الحل، استنادًا إلى المادة ٧٢ من الدستور التونسى: «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور».

الرئيس التونسى كان قد أعلن، أواخر العام الماضى، عن استفتاء إلكترونى، انتهى فى ٢٠ مارس، وشارك فيه قرابة نصف مليون تونسى، تضمن أسئلة تتعلق بالنظام السياسى الجديد. والإثنين الماضى، دعا إلى إجراء حوار وطنى، قبل أن تبدأ لجنة صياغة التوجهات العامة فى الإصلاحات الدستورية. وقال فى كلمة، بثها التليفزيون الرسمى، إنه «سيمضى فى خطته المبدئية لإجراء استفتاء بشأن التعديلات الدستورية فى ٢٥ يوليو المقبل»، بعد أن يتم إشراك الجميع فى إبداء آرائهم واقتراحاتهم للنظام السياسى الجديد.

المهم، هو أن الجلسة، التى عقدها نواب البرلمان المجمد، كانت، حسب مراقبين، مناورة إخوانية جديدة، تهدف إلى بث التفرقة بين التونسيين، ومحاولة يائسة من راشد الغنوشى، زعيم حركة النهضة، رئيس البرلمان المجمد، لتهديد أمن تونس ووحدتها. وتأكيدًا لذلك أعرب الاتحاد العام التونسى للشغل «اتحاد العمال»، عن رفضه تلك المناورة الإخوانية ووصفها بأنها «خطيرة على أمن الدولة ومؤسساتها وتنذر بوضع شبيه بالسيناريو الليبى». وأكد نورالدين الطبوبى، أمين عام الاتحاد، أنه يدعم «مسار ٢٥ يوليو» حيث «لا مجال للرجوع إلى الوراء»، داعيًا رئيس الدولة إلى طى صفحة ذلك البرلمان نهائيًا، والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة.

شعبيًا، هناك ثلاثة ملايين تونسى انتخبوا قيس سعيد رئيسًا للجمهورية، بينما لم ينتخب ذلك البرلمان، إلا أقل من مليونى ناخب، كان نصيب الغنوشى منهم عدة آلاف. وسياسيًا، جاء قرار الحل استجابة لدعوات عديدة أطلقتها أحزاب تونسية، أبرزها حزب «حركة الشعب»، الذى اتهم «حركة النهضة» بالوقوف وراء التعطيل السياسى والاقتصادى الذى تعيشه تونس منذ عشر سنوات، وأكد أن إجراءات ٢٥ يوليو الاستثنائية جاءت نتيجة تحرك وطنى متراكم، وأن الرئيس سعيد لم يكن صانعًا لها «لكنه قام فقط بتتويج التحركات الوطنية». و.... و... وبالإضافة إلى «الحزب الدستورى الحر»، أكد الائتلاف السياسى «صمود»، فى بيان، أن ما فعله الغنوشى، ومن والاه من النواب، كان محاولة «لجر البلاد إلى مسار خطير يهدد سلامة التونسيين».

استنادًا إلى ذلك، وإلى الدستور التونسى، تعهّد الرئيس قيس سعيد، مجددّا، عقب اجتماع عقده مع مجلس الأمن القومى، بـ«الحفاظ على أمن ووحدة واستمرارية تونس»، وبألا يترك «العابثين» يواصلون «عمالتهم المفضوحة للخارج»، موضحًا أن ما فعلوه «هراء وهذيان يرتقى إلى مرتبة الجريمة والتآمر على أمن الدولة»، مشيرًا إلى أنه تحدث إلى وزيرة العدل «لتقوم النيابة العمومية بدورها». وعليه، طلبت الأخيرة من «وكيل الدولة بمحكمة الاستئناف» فتح تحقيق ضد النواب، الذين عقدوا الجلسة البرلمانية الافتراضية، أو الوهمية، بموجب أحكام الفصل ٢٣ من مجلة الإجراءات الجزائية، لأنهم «تآمروا على أمن الدولة الداخلى»، وحاولوا «تبديل هيئة الدولة وإثارة الهرج بالتراب التونسى».

.. أخيرًا، ولأن البرلمان المجمد، ثم المنحل، كان من المقرر، حسب بيان أصدره «الغنوشى»، أن يعقد جلسة ثانية، غدًا السبت، فإننا ننتظر، نتوقع أو نتمنى، أن يعقد نواب الإخوان، الذين صاروا نوابًا سابقين، تلك الجلسة، أو أى جلسات مقبلة، خلف الأسوار، وهم يغنون «حلّو.. يا حلّو»، ليس فقط لأنهم «حلّوا» برلمانهم، ولكن أيضًا بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك!.
نقلا عن الدستور