مصطفى عبد السلام
تتدفق على مصر هذه الأيام مليارات الدولارات في صورة قروض وودائع واستثمارات مباشرة. اليوم الأربعاء، أعلنت السعودية عن منح مصر وديعة بقيمة 5 مليارات دولار، تضاف للاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي المصري.
ومن المتوقع أن تنضم دول خليجية أخرى، منها قطر والكويت والإمارات، قريبا إلى السعودية، في تقديم دعم مالي طارئ لمصر، وتغذية الاحتياطي الأجنبي المصري الذي يتعرض لضغوط جراء تراجع إيرادات أنشطة رئيسية مثل السياحة، والفجوة التمويلية للبلاد، والتي تقدر بنحو 17.6 مليار دولار في العام المالي الحالي 2022/2021، وزيادة كلفة واردات الطاقة والأغذية بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، وهروب الأموال الساخنة، وزيادة سعر الدولار مقابل الجنيه.
وبحسب مذكرة بحثية لبنك بي إن بي باريبا الفرنسي، فإن هناك "فرصة معقولة" في أن تتلقى مصر 3 مليارات دولار من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وملياري دولار من الصندوق السيادي الكويتي خلال الأسابيع المقبلة.
واليوم أيضا، وافق مجلس الوزراء المصري على مشروع اتفاقية بين حكومتي مصر والسعودية، تتعلق بقيام صندوق الاستثمارات العامة السعودي بالاستثمار في مصر، ولم يتم الكشف عن قيمة الاستثمارات، وما إذا كان الصندوق سيضخ أموالا طازجة وجديدة، أم أن الأمر يتعلق بإعادة استثمار القروض النفطية المستحقة للسعودية على مصر، والتي حصلت عليها الحكومة المصرية في أكتوبر 2016 ولمدة 5 سنوات وبلغت قيمتها 23.5 مليار دولار.
وخلال التوقيع على الاتفاقية قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن الفترة المقبلة ستشهد اتخاذ إجراءات سريعة لجذب استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار، بالتعاون بين صندوق مصر السيادي و صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
وأمس الثلاثاء، أعلنت قطر عن ضخ 5 مليارات دولار في شرايين الاقتصاد المصري، على أن توجه لتمويل إقامة مشروعات استثمارية سيتم تحديدها لاحقا.
وقبل أيام، أعلن الصندوق السيادي الإماراتي عن ضخ ملياري دولار في مصر، لشراء حصص الحكومة في عدد من البنوك والشركات الكبرى، منها البنك التجاري الدولي وشركات فوري وأبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، ومصر لإنتاج الأسمدة، والإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع.
وتتفاوض الحكومة المصرية حاليا مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض تتراوح قيمتها بين 8 و10 مليارات دولار، وربما يزيد المبلغ عن هذا الرقم، مقابل تطبيق برنامج اقتصادي جديد لا نعرف ملامحه حتى الآن، وإن كانت مقدماته واضحة، ومنها خفض قيمة الجنيه بنسبة 17%، وزيادة سعر غاز الطهي، وزيادات مرتقبة في أسعار البنزين والسولار والسلع الغذائية وغيرها.
علما بأن الصندوق منح مصر قروضا تتجاوز قيمتها 20 مليار دولار منذ نوفمبر 2016 وحتى منتصف العام الماضي 2021 مقابل تنفيذ برنامج من أبرز ملامحه تعويم الجنيه وفرض ضريبة القيمة المضافة وزيادة الأسعار والضرائب والرسوم وخفض دعم الوقود.
وفي حال التوصل إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد، فإنه من المتوقع حدوث 3 تطورات، الأول عودة جزء من الأموال الساخنة الهاربة من مصر خلال الأسابيع الماضية، والتي قدّرتها مؤسسات دولية بنحو 15 مليار دولار.
والثاني استمرار ثقة المستثمرين الأجانب في أدوات الدين الحكومية مثل السندات وأذون الخزانة، والثالث فتح الباب مجددا أمام الحكومة لاغتراف مزيد من القروض من مؤسسات مالية إقليمية ودولية.
وإلى جانب القروض والاستثمارات السابقة، فقد حصلت الحكومة المصرية يوم الخميس الماضي على قرض من اليابان بقيمة 500 مليون دولار.
ووافق مجلس النواب، أمس، على اتفاقيتي تمويل بين الحكومة والبنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية، تحصل الحكومة بموجبهما على قرضين بقيمة 720 مليون دولار، مقدمة مناصفةً بين المؤسستين الدوليتين.
كما حصلت الحكومة على قرض جديد من فرنسا في إطار الاتفاق الذي تم توقيعه بين البلدين في يونيو 2021 بقيمة 1.6 مليار يورو.
مليارات تتدفق على مصر في وقت حرج يتراجع فيه نشاط السياحة ومعها الإيرادات الدولارية، وتتزايد الضغوط على العملة المحلية، وينتظر تجار العملة والمضاربين اللحظة للعودة لقيادة سوق الصرف وتحقيق المليارات على حساب الاقتصاد والمواطن والأسعار، ويزيد غضب الشارع على الاسعار التي ألتهبت بشكل يفوق قدرتهم الشرائية بكثير.
ولا شك أن هذه الأموال الضخمة التي تقرر ضخها من قبل دول الخليج والمؤسسات الدولية ستلجم السوق السوداء للعملة التي تريد العودة، وتدعم استقرار سوق الصرف، وتمنع أي مضاربات على الجنيه في المدى القريب وربما المتوسط.
وإذا نجحت الحكومة المصرية في تحويل القروض المقدمة لها إلى مشروعات استثمارية مباشرة، فإنها تكون قد نجحت في تحويل الخطر إلى فرصة.
أما إذا واصلت الاعتماد على سياسة الاقتراض الخارجي والأموال الساخنة، فإن الجنيه سيكون مرشحا لمزيد من التراجع مع أول أزمة اقتصادية أو سياسية خارجية أو محلية. وستواصل الحكومة سياسة إغراق الدولة في وحل الديون لسنوات طويلة.
وعلى الرغم من أهمية تلك المليارات في ذلك التوقيت وحاجة الاقتصاد الشديد لها، إلا أنه يجب ألا نسعد من تدفق القروض والودائع الخارجية، لأنها أموال وديون مستحقة على الدولة في النهاية. هذه ديون يحصل أصحابها في النهاية على أسعار فائدة تفوق الأسعار التي يحصلون عليها من البنوك الأميركية والأوروبية.
يجب أن نسعد فقط بالاستثمارات المباشرة التي توجه لتمويل قطاعات إنتاجية، مثل الصناعة والتصدير والزراعة، وتوفر فرص عمل لملايين الشباب العاطلين عن العمل، وتسهم في توفير السلع في الأسواق، وبالتالي خفض أسعارها، وتساهم في الحد من الواردات التي تستنزف ما يزيد عن 75 مليار دولار سنويا من إيرادات الدولة الدولارية، لا أن توجه إلى قطاعات ريعية مثل العقارات والأراضي وغيرها.
والأهم من ذلك أن توجه تلك المليارات لقطاعات أكثر حيوية وأهمية للمواطن مثل الصحة والتعليم والأمن الغذائي وإقامة المصانع سواء لإنتاج الأدوية أو المنتجات الغذائية وغيرها من السلع الضرورية.
أما بالنسبة للقروض والاستثمارات السياسية والمشروطة والتي تركز على أمن النظام الحاكم، لا على أمن الوطن والاقتصاد والمواطن والمصلحة العامة، وأن يكون هدفها الرئيسي هو الحيلولة دون حدوث انفجار شعبي أو حالة غضب على تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، فهي ضارة وبمثابة السم القاتل، ولنا عودة للحديث عن مخاطر هذه النوعية من القروض.