عادل نعمان
الصينيون يحفظون عن ظهر قلب، منذ نعومة أظافرهم، بيتًا من الشعر، وهو أقرب إلى سؤال معلوم الإجابة (من يعلم منكم أن كل حبة أرز فى الطبق تأتينا بعد جهد شاق؟)، ولا يقصد شاعرهم حبة الأرز هذه قبل الأكل، لكن يقصدها بعد الأكل، حين يكون مصيرها الفقد أو التلف أو سلة المهملات «الزبالة كما نقول».
اكتشف الصينيون مؤخرًا أن الفاقد والمهدر من الطعام خمسون مليون طن فى العام، وهو يكفى لإطعام ثلثمائة وخمسين مليون إنسان فى نفس العام، وهو يمثل ما يقرب من ربع الطعام السنوى للشعب الصينى، «ولا يهمنا نوع الطعام»، من هنا بدأت حملة «الأطباق الفارغة» وهى دعوة للشعب أن تعود الأطباق بعد الأكل فارغة تمامًا دون طعام مهدر أو فاقد مهما تضاءلت قيمته، حتى لو حبة أرز واحدة، ولا تكتمل هذه المهمة القومية إلا إذا كان الطبق فى حد ذاته لا يحتوى إلا على الطعام الذى يكفى صاحبه دون زيادة عن طاقته أو معدته، الرئيس الصينى نفسه يدير هذه الحملة القومية، ويستجيب الشعب، لأن كل حبة أرز فى الطبق تأتى بعد جهد شاق!!.
ولكى تؤتى حملة «التوفير مشرف» هذه ثمارها «كما أطلقوا عليها»، فقد لبى الشعب النداء، إما خوفًا أو اقتناعًا، «بالذوق أو بالعافية» المهم أن الشعب أدى ما فرضوه عليه، والتزم بالتعليمات التى عادت على بلاده بالاقتصاد فى الاستهلاك والتوفير فى ماله، واستجابت المطاعم لهذه الحملة، وتسابقت فى تقديم وجبات أقل من الأطباق المعتادة، أو أطباق نصف حصة أو طبق «الكمالة» كما تعودنا فى محلات الكشرى، وكذلك عرض «طبق ناقص واحد»، وهو عبارة عن طلب للمجموعة من الطعام ناقص واحد، فإذا كان الحضور فى مطعم للغذاء من سبعة أفراد يكتفى بطلب لعدد ستة فقط، أو عدد الحضور أربعة يكتفى بطلب لعدد ثلاثة فقط، وهكذا يتشارك الواحد الناقص عن العدد طعام المجموعة، وذلك لترشيد الاستهلاك والحد من الإسراف فى تناول الطعام.
فى بلادى تعلمنا كيف نطهو الطعام، وكيف نتسابق فى الشراء بكميات تزيد عن المطلوب والضرورى، فما يكفينا منه كيلو واحد لا مانع أن يكون أكثر طالما السعر مناسب، وما كانت واحدة منه تفى بالغرض وتسد الجوع والعطش فلا ضرر أن تكون اثنتين أو ثلاثًا إذا كانت على خصم، وما كان فى غير أوانه فنعجل إلى تخزينه إذا سارت شائعة عن قرب ارتفاع سعره، فهذا طعام صحى ومفيد ويساعد على إنقاص الوزن، وهذا غير صحى ويعجل بزيادة الوزن، وهذا يحتوى على سعرات حرارية عالية.
وذاك على قد حالك وفلوسك، والفضائيات فى سباق ومبارزة ومنافسة فى عرض أصناف الطعام أشكاله وألوانه بطريقة مغرية ومثيرة على موائد الغذاء أو الإفطار، وأؤكد أنها تزيد من حجم الإنفاق والاستهلاك والفاقد أيضًا، وكأن الإعلام قد اكتفى فقط بثقافة اللقمة والوجبة، وغذاء المعدة وأغلق دونها الأبواب الأخرى جميعها، كل هذا جائز ومغفور ومرحوم إلا أن أحدًا من هؤلاء لم يكلف خاطره أن يعلمنا كيف نتناول طعامنا أو «نغرفه» فى الأطباق دون هدر أو فقد أو تلف، وإذا ملنا قليلًا إلى استهلاكنا فى بوفيهات الأفراح فقل عليه العوض ومنه العوض، وليس هذا موضوعنا الآن.
ولست هنا فى مجال الحديث عن غلاء الأسعار، أو السياسات النقدية، أو رفع سعر الدولار، وتعويم الجنيه، أو الأسباب التى تدعو التجار إلى زيادة الأسعار، أو قدرة الشعب على تحمل ما لا طاقة له به من هذا الغلاء، أو حظه ونصيبه من تبعات هذا الإصلاح، وأنا عند رأى أن الإصلاح مرهون بقدرة الناس على الاحتمال، وارتفاع الأسعار على قدر طاقة البسطاء من الشعب، وهذا حديث يطول شرحه، إلا أننى أقدم هذه الحملة (الأطباق الفارغة) لكل مواطن فى هذا الشعب وللأجهزة المعنية، وخصوصًا فى شهر رمضان، شهر الإسراف فى العبادة وفى الطعام، والإفراط فى الشراء والاستهلاك، وامتلاء موائد الإفطار ومعد الصائمين، على أن يشاركنا الرأى والدراسة المراكز المتخصصة والمسؤولون عن التدبير المنزلى.
ويبدأ من طريقة حفظ العيش والمأكولات فى الثلاجات، والوجبات الصحية وإعدادها وأوزانها التى يحتاجها المواطن من أصناف الطعام المختلفة، وطريقة غرفها فى الأطباق، وتناولها بطريقة صحية سليمة، والأهم إرشادات وتوصيات للمطاعم بتقديم وجبات ذات حصص متنوعة، ووجبات عائلية ناقص واحد، وكل ما يراه المتخصصون ويساعد على ترشيد الاستهلاك وتوفير النفقات، ولا مانع أن تساهم القنوات التليفزيونية فى هذا الشأن على شكل إعلانات بسيطة وهادفة، وكذلك فى المدارس والمعاهد والجامعات.
لا يهم كم تربح بقدر ما توفره من هذا الربح وتحافظ عليه، ولا يهم كم تأكل بقدر ما يعود عليك بالفائدة والصحة، ولا يهمك «الفشخرة الكدابة» فى كميات الأكل فى المطاعم، وإياك أن تظن أن هذا مستحسن ومحمود ومشكور عند أصحاب المطاعم أو العاملين فيها، فى الغالب الأعم يتهمك أغلبهم بالسفه بينهم وبين أنفسهم، صحتك أولًا، وجيبك ثانيًا، وكن حريصًا على عودة الطبق من رحلته بين المأكولات والطاولات فارغًا دون قطعة خبز أو حبة أرز واحدة، كل منهما تأتى بعد جهد شاق، كل عام وأنتم بخير.
نقلا عن المصرى اليوم