د. أحمد الخميسي
للحروب جوانب عديدة لعل أحدها تجارة السلاح التي تزدهر في تلك الظروف. وحسب تقرير من معهد ستوكهولم الدولي فقد قررت ألمانيا - على خلفية الحرب في أوكرانيا- زيادة إنفاقها على الدفاع هذا العام 2022 إلى مستوى قياسي بحيث تخصص في مشروع الموازنة الألماني أكثر من 55 مليار دولار لذلك الغرض. وعلى الخلفية الأوكرانية أيضا انتعشت أحوال القطاع الصناعي العسكري الأمريكي بعد أن تقرر تزويد جيوش الدول الأوربية بطائرات حربية حديثة باهظة الثمن، غير الصواريخ والمدفعية والمعدات الثقيلة.
روسيا أيضا حسب تقرير لمنظمة العدل والتنمية الدولية ستعمل على توسيع أسواق تجارة السلاح في آسيا والشرق الأوسط وستحاول بيع الغواصات النووية والبوارج الحربية لدول مجلس التعاون بما تزيد قيمته عن عشرة مليار دولار. وتتصدر أمريكا قائمة الدول التي تتاجر في السلاح يليها روسيا في المركز الثاني، وقد بلغت مبيعات الدولتين ما بين 2003 و2007 أكثر من نصف المبيعات العالمية من السلاح ( 56%). وثمة كتاب مهم يلقى الضوء على أهم جوانب القضية هو " تجارة السلاح" لمؤلفه " نيكولاس جيلباي"، وهو صحفي بريطاني قاد حملات واسعة ضد العسكرة والسلاح داخل بلاده. ويشير الكاتب إلى أن تجارة السلاح ليست السبب في النزاعات القائمة، لكنها تطيل أمد تلك النزاعات وتتربح من تصعيد الحروب القومية مثلما يحدث في الهند وباكستان،أو الصين وتايوان، وتصل أرباح تلك التجارة إلى أرقام خيالية حتى أمست بعض شركات السلاح أكبر من بعض الدول! وفي عام 2007 فقط باعت الدول الخمس الكبرى: أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا اسلحة بعشرين بليون دولار! بليون !!
الأهم من ذلك أن تلك الدول – على حد قول الكاتب- خاصة أمريكا وبريطانيا تقومان بتوريد السلاح لطرفي النزاع في نفس الوقت ! وقد انتهى تقرير من ثلاثة باحثين أمريكيين منهم وليام هارتونج إلى أن : " الأسلحة الأمريكية تغذي نصف الصراعات المسلحة في العالم، وتمكن للصراعات المحتملة بين تركيا والأكراد، والهند وباكستان، وتغذي طرفي الصراع بالسلاح والتدريب في ذات الوقت". ولعل هذه الحقيقة أن تعري التسليح من أي موقف سياسي أو مبدئي، كما أنها تظهر السلاح بصفته تجارة تتغذى من الحروب، مما يوضح لنا أسباب المواقف السياسية التي نستغربها من بعض الدول حين نراها ترقص بالدعم بين طرفي نقيض. الأسباب واضحة: أرباح تجارة السلاح. وعلاوة على ما سبق فإن الحروب توفر فرصة لتجريب فعالية الأسلحة، مثلما حدث حين جربت أمريكا أولى قنابلها الذرية في لحم هيروشيما، ولم تكن هناك حاجة عسكرية فعلية إلى استخدام القنبلة. ويشير " نيكولاس جيلباي " أيضا إلى أن مفهوم تجارة السلاح أصبح فضفاضا ومراوغا،
لأن هذه التجارة صارت تتضمن ليس فقط السلاح بحد ذاته، بل ومجالات أخرى كالتجارة في المعلومات والتكنولوجيا والتصميمات والمهارات الهندسية والعلمية وقطع الغيار، والصيانة وغير ذلك من الهروات والغازات لتفريق المتظاهرين ودروع الشرطة والعربات المدرعة ومدافع المياه. الوجه الآخر من مأساة كوكبنا، هو المخاطر التي تحدق به وفي مقدمتها التغيرات المناخية التي لا تلقى اهتماما من القطاعات الصناعية العسكرية في الدول الكبرى، حتى بعد أن تأكد أن مستوى حرارة كوكب الأرض زاد أكثر من درجتين مئويتين عما كان عليه في العصور قبل الصناعية، وسيضاعف ذلك من عدد من يعانون من ندرة المياه ليرتفع الرقم من 0,4 بليون انسان إلى 1,7 بليون إنسان، كما أن احترار الكوكب الأرضي سيدفع إلى مزيد من الهجرات ومزيد من الصراعات حول مصادر الثروات الطبيعية. من المؤسف أن تظل الانسانية في مرحلة ناضجة من تاريخها بهذه الحماقة بحيث لا ترى أنها تحفر قبرها بيديها، ولربما كان أحدهم محقا حين قال إن خراب الكوكب قد يحل على أجنحة العلم الحديث.
نقلا عن جريدة الدستور