هاني لبيب
رحيل جيل الأساتذة.. يجعلنا نسترجع شريط الذكريات للعديد من المواقف والأحداث التى نكتشف بعض جوانبها بعد أن أصبحت جزءا من تاريخنا الشخصى. هذا ما ينطبق على أمين فهيم «المحامى ورئيس مجلس الإدارة الأسبق لجمعية الصعيد للتربية والتنمية»، الذى بحلول هذا الشهر تمر 4 سنوات على رحيله و97 عامًا على ميلاده فى شهر إبريل القادم.
ارتبط اسم أمين فهيم بجمعية الصعيد التى تولى مجلس إدارتها لما يقرب من 35 عامًا، وكانت ضمن الجمعيات الرائدة فى المجتمع المدنى المصرى. ويعتبر أمين فهيم هو المؤسس الثانى للجمعية بعد المؤسس الأول الأب «هنرى عيروط» صاحب رسالة الدكتوراة عن «أخلاق الفلاحين وعاداتهم» سنة 1938، وهى تعد من أهم الأدبيات الاجتماعية عن الفلاح المصرى حينذاك.
ومرورًا بمواقف عديدة.. كادت الجمعية أن تتعرض للحل سنة 1964، وهو ما جعل أمين فهيم يتدخل للحفاظ على استمرارية الجمعية، ونجح فى مهمته، وتم انتخابه سكرتيرًا لمجلس الإدارة. ومنذ سنة 1965 تم انتخابه كرئيس لمجلس إدارة الجمعية، وانتقال رئاسة الجمعية من الكنيسة إلى العلمانيين. وقد عملت الجمعية فى أكثر من ٧٠ قرية بمحافظات الصعيد دون تمييز من أى نوع.
فى بداية تأسيسها سميت «الجمعية الكاثوليكية للمدارس المصرية»، وفى عام 1974 قاد أمين فهيم تغيير اسمها إلى «جمعية الصعيد المسيحية للمدارس والتنمية الاجتماعية»، ثم قاد تغيير الاسم مرة ثالثة سنة 1993 إلى الاسم الحالى، وهو «جمعية الصعيد للتربية والتنمية». وأتفق هنا مع الرأى الذى يقول إن هذا التغيير لم يحظ بموافقة بعض قيادات الكنيسة الكاثوليكية، وهو ما جعل هناك حالة من التوتر غير المعلن بين الكنيسة والجمعية. وربما يكون هذا الأمر هو الذى دعا تلك القيادات للتحالف من أجل إبعاد أمين فهيم عن جمعية الصعيد، بالتعاون مع البعض من العاملين بالجمعية. وهو الأمر الذى ترتب عليه هبوط بعض القيادات من أهل الثقة للكنيسة على مجلس إدارة الجمعية، وأخيرًا عادت رئاسة الجمعية لأبنائها من العاملين فيها منذ سنوات طويلة. ولكن لايزال المجتمع المدنى فى احتياج لعودة بريق الجمعية مرة أخرى لتميزها الشديد فى مجالى التربية والتنمية وخدمة الإنسان فى صعيد مصر.
أذكر لأمين فهيم أنه قاد مبادرة أثناء فترة إقامة البابا شنودة الثالث فى الدير بناء على قرارات سبتمبر 1981.. لإلغاء تحديد إقامة البابا وعودته إلى مقره بالقاهرة. ونتج عن هذه المبادرة وثيقة مهمة بعنوان «مبادرة من أجل إيجاد حل لموضوع قداسة البابا شنودة»، والتى شارك أمين فهيم فيها كل من: ميريت غالى وأمين فخرى عبد النور والقس د. صموئيل حبيب.
قام أمين فهيم بدور هام فى مبادرات التقارب بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية فى مصر، فقد كان عضوًا فى الوفد الكاثوليكى للحوار من أجل الوحدة، وعضوًا بالمجلس البابوى للثقافة بالفاتيكان، ومشاركًا بالمجمع الفاتيكانى الثانى فى ستينيات القرن الماضى. وهى المسيرة التى توجت بأن منحه الفاتيكان وسام «فارس الصليب الأعظم» للقديس غريغور يوس كومندور، ووسام «كومندور مميز» للقديس سان سلفستر، ونيشان الامتياز من الدرجة الأولى للخدمات الاجتماعية من مصر.
نقطة ومن أول السطر..
انسحب أمين فهيم من الحياة العامة تدريجيًا، ولكنه سجل تجربته وخبرته الوطنية، سواء فى دعم العلاقات بين المواطنين المسيحيين والمسلمين المصريين، أو فى العمل الاجتماعى من خلال تجربة جمعية الصعيد للتربية والتنمية فى المجتمع المدنى المصرى فى مذكرات نشرها باللغة الفرنسية. وأعتقد فى أهمية ترجمتها لما تمثله من توثيق لمرحلة تاريخية دقيقة من حياتنا.
نقلا عن المصري اليوم