سحر الجعارة
بعدما اعترف «مارك زوكربيرغ»، مؤسس موقع فيس بوك، بأن الشبكة الاجتماعية العملاقة «ارتكبت أخطاء» بسبب فضيحة «كامبريدج أناليتيكا» عام 2018.. لم يهتم العالم العربى كثيراً بتسريب بيانات حوالى 50 مليون شخص إلى مؤسسة «كامبريدج أناليتيكا» الاستشارية، لاستخدامها للتأثير على الرأى العام فى حملة الرئيس الأمريكى السابق «دونالد ترامب».. نحن إحساسنا بالخصوصية شبه معدوم، فعلينا فقط أن نلبى «الجوع الاجتماعى» ولو بعلاقات افتراضية فى العالم الموازى!
وليس صحيحاً أن الشبكة العنكبوتية الضخمة، التى تضم أكثر من 2 مليار شخص حول العالم، تجمع المعلومات لأغراض تجارية وإعلانية بحتة، هذه المعلومات تُستخدم فى «تسويق»: (الأفكار، الأهداف السياسية، الرؤى الاجتماعية، الأديان، المشاعر والسلوك البشرى... إلخ)، ويمكن تغيير توجهات الشخص إلى النقيض.. بعد أن يتم تصنيفه ضمن المستخدمين حسب الفئات التى ينتمون إليها، ويعمل الفيس بوك على تقسيمهم بناء على الجنس والفئة العمرية والدين والموقع الجغرافى وسجلّ البحث والزيارات للمواقع الأخرى التى تتضمن أزرار الإعجاب من فيس بوك.
هذه المعلومات يتشاركها أيضاً موقع «جوجل» الشهير الذى يتتبع ما تبحث عنه، وخاصية «الكوكيز» التى غالباً ما توافق عليها لدخول المواقع دون تردد.. وهكذا يمكن تغذية ما تميل إليه من أفكار وتنميته أو «تبديله» حسب ضغط أصابعك على الكيبورد.. وهنا نكتشف أن ما نسميه «قوة السوشيال ميديا» غالباً ما يكون تم «اللعب فى توجيهها».. كيف؟
افترض مثلاً أنك معجب بآراء الدكتور «مصطفى محمود» وضغطت Like ستجد الترشيحات مباشرة «زغلول النجار»، وكلما تفاعلت تزداد الجرعة التى تبدأ بالبحث عن حقيقة خلط العلم بالدين، فتجذبك إلى عبدالله رشدى «الشهير بمجانص» والذى يحرض على التحرش بالنساء وزواج الصغيرات... إلى آخر آرائه المتطرفة، ثم تجد نفسك معجباً بعدها فى صفحة «الشعراوى» الذى يُحرم زرع الأعضاء البشرية وغرفة الإنعاش ويبارك السجود لهزيمة الوطن.. وجرعة فجرعة قد تصل إلى قنوات جماعة الإخوان الإرهابية، ثم صفحات تمجد «القاعدة وداعش». لقد بدأت باحثاً عن حقيقة الدين، وقد ينتهى بك المطاف إلى قبول أدبيات داعش من سبى النساء وإسقاط الأوطان بزعم الجهاد.. أو قد تنجو وتخرج بعقلك سالماً.
الجانب الآخر لا يفرق كثيراً: تبحث عن متنفس، عن مفهوم الليبرالية فى الدين والمجتمع والسياسة، بقبول الآخر والمحبة، بالعدالة الاجتماعية والمساواة.. وبقوة «Like and share» سوف تدخل صراعاً حول طبيعة الحرب فى أوكرانيا «مع أم ضد»، وتواجه أسلحة من عيّنة «التكفير والردة» لأنك تقول رأيك فى الحجاب مثلاً أو فى رجال الدين «إسلام ومسيحية» أو تقديس التراث الدينى المحنط: أنت هنا تصطدم بالتابوهات التقليدية «الدين والجنس والسياسة».. وجمهورك يشبه جمهور «مجانص» بالضبط: حسابات مزيفة بأسماء مستعارة وصور مبهمة.. الحقيقة لا يعرفها إلا «مارك»، وهذه المعركة قد تخرج منها متخلياً عن دينك أو متطهراً من جمودك الفكرى أى ما يسمى بـ«الدوجمائية».
بين الفريقين قواسم مشتركة: المنافقون وأصحاب الأقنعة والضمائر الميتة.. الثرثار والتقى الفاسد والمدّعى.. تجار العواطف والوعود الوهمية، سوف تتواصل مع التافه والصامت والكاذب وتبوح بأسرارك الخاصة للخونة والسفلة.. وتحب خديعتك وتواصلها لأنك أدمنت «الفيس بوك»!
إن شئت أن تتعرف على رموز المؤثرين على السوشيال ميديا، الذين تحول بعضهم إلى نجوم، قس تأثيرهم على أرض الواقع: ثم ابتسم أنت فى العالم الافتراضى.
نقلا عن الوطن