بقلم: د. عوض شفيق
اثار موضوع انتاج الفيلم المسىء لنبى الاسلام وترويجه عبر شبكة الانترنت عدة مشاكل قانونية ظهرت الاشكالية الاولى فى النزاع بين حرية الرأى والتعبير وحرية العقيدة واحترام عقائد الآخرين، أما الاشكالية الثانية ظهرت فى المطالبة بتجريم دولى فى كيفية حل هذا النزاع بين الحريتين باللجوء الى تجريم بعض الممارسات لهاتين الحريتين ، والاشكالية الثالثة تبدو فى مدى الثر القانونى للانتماء الدولة الدينى فى الحفاظ على التوازن بين حريات الرأى والتعبير والتجمع السلمى وفى اظهار ردود أالأفعال السلمية الغاضبة مما اصابهم من جرح فى مشاعرهم وأحاسيسهم الدينية وتجاوز هذا الحق أثره الى استخدام العنف فى اقتحام السفارات الامريكية فى بلاد عدة وقتل السفير الامريكى فى بنغازى وبعض من أعضاء الهيئة الدبلوماسية
فى الواقع والقانون أن حرية الرأى والتعبير وحرية العقيدة وأصحابها محكومة بقواعد ومعايير دولية تحكم وتنظم كيفية ممارستها طبقا لقيود مشروعة قانونا وتستتبع واجبات ومسؤوليات خاصة. ولهذا السبب يسمح بممارسة هذه الحقوق والحريات بمجالين حصريين من القيود المفروضة على هذه الحقوق الاول، يتعلق، باحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، والثانى، يتعلق بحماية الأمن القومى أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. بيد أنه عندما تفرض الدولة قيودا على ممارسة حرية التعبير أو ممارسة حرية العقيدة، لايجوز أن تعرض هذه القيود الحق نفسه للخطر. ولا يجوز ألاتنقلب العلاقة بين الحق والقيد وبين القاعدة والاستثناء
ومن هنا لايجوز تجريم كل صاحب رأى أو تخويفه أو احتجازه أو محاكمته أو سجنه، بل يسمح الحق فى التعبير فى التماس مختلف أشكال المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها الى آخرين دونما اعتبار للحدود بما فيها وسائل التعبير الالكترونية رهنا بالقيود المشروعة السالفة الذكر.
وواقعة الفيلم المسىء الذى تم انتشاره على مواقع الانترنت تدخل فى اطار القيود المشروعة على ممارسة الحق فى الرأى والتعبير والعقيدة، فالولايات المتحدة الذى خرج منها الفيلم وانتشر على موقع الانترنت ولا يعلم من هو المخرج والمنتج والممثلين، حيث تضاربت كل الأقوال فى من هو الفاعل الرئيسى لهذا الفيلم المسىء وايا كان الفاعل وجنسيته ومحل اقامته فهذا التجاوز القانونى للقيود المشروعة التى يجب على كل دولة أن تلتزم بهذه القيود وتحديد مفاهيم مصطلحات النظام العام والأمن القومى وكيف يمكن احترام الآخرين وعدم الاساءة اليهم ، ولا تترك هذه القيود لتفسيرها حسب هوى الناس ومصالحهم وحسب هوى الدولة ومصالحها
ونظرا لاطلاق حق حرية التعبير والعمل بمبدأ الحياد الدينى فى الولايات المتحدة الامريكية لا يجوز ملاحقة مرتكبى واقعة الفيلم المسىء للاسلام لأن نظام محاكم الولايات المتحدة تعتمد على نظام السوابق القضائية وليس تطبيقا لقانون مكتوب فنجد أن امريكا ليس لها مصلحة مشروعة فى حماية عقيدة معينة أو حماية كل الاديان. وذكرت هذا فى احكامها بأنه "ليس من وظيفة الحكومات معاقبة من يهاجم عقيدة دينية معينة بالنشر كتابة أو من خلال فيلم معين . (قضية جوزيف بيرستون ضد ويلسون 1952)
ورفضت المحكمة العليا طلب السلطة الادارية فى نيويورك منع فيلم يهاجم العقيدة الكاثولكية. ولوحظ أن المحكمة العليا الأمريكية لم تتدخل الا فى حالات نادرة بصدد حرية التعبير فى مواجهة المعتقدات الدينية، تطبيقا لمبدأ الحياد الدينى وحرية التعبير فى الدستور الامريكى (قضية ستون ضد جراهام 1980)
وباختلاف المحاكم الامريكية عن المصرية نجد أن الدولة المصرية تستند فى قانون العقوبات فى تجريم الاساءة الى الأديان الى الأضرار بأمن الدولة من جهة الداخل عندما يعاقب فى المادة 98(و) بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات...كل من استغل الدين فى الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد اثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف الدينية المنتمية اليها أو الاضرار بالوحدة الوطنية، ونجدها تتوسع فى التجريم للاضرار بالوحدة الوطنية والحماية الجنائية الدينية (المادة 171). بيد انه اذا ما طبقنا مفهوم الحماية الجنائية الدينية بوجه عام على كل الاديان السماوية وليس بوجه خاص لحماية جنائية دينية حسب انتماء الدولة عقائيا وهوالا سلام لما كنا نرى المشهد المسىء الذى يقترفه الداعية الاسلامى ابو اسلام بتمزيق الانجيل وتوعده فى المرة القادمة بالتبول عليه. واذا كانت الدولة المصرية تريد بالفعل الحماية الجنائية الدينية لكل الأديان لما كنا نشاهد ونسمع فى تسجيل فيديو من وجدى غنيم على الانترنت والذى لا يستطيع أحد مشاهدته واسلوب كلامه فى الاساءة باشد العبارات (القذرة) التى لا تليق بشيخ وداعية اسلامى. فالاصل أن القانون لا يحمى الاديان بل يحمى معتنيقها من اساءة الآخر. فلتتسامح الأديان مع بعضها (مسؤولية التسامح القانونى المفروض على الدولة)
واتساع دائرة التجريم فى القانون المصرى باعتبار انتهاك لحماية المصلحة العامة والامن القومى، نجد انها تتجاوز القيود الشرعية وتنقلب العلاقة بين الحق والقيد وبين القاعدة والاستثناء وتصبح الحماية فقط للدين (وهو هنا الدين الاسلامى التى تنتمى اليه الدولة) ومن بعد اشاعة ظهور الفيلم المسىء للاسلام ولا يوجد منتج حقيقى بين الناس ولاجل الاعتراض عليه سلميا نجد أن القضاء المصرى يريد أن تحريز الفيلم المسىء فيبحث بواسطة الآمن الالكترونى والأمن الوطنى عن الفيلم ليجده موجود على صفحة شاب مسيحى يدعى البير صابر ويتهم بازدراء الاديان ويتهم بتهمة ترويج فيلم مسىء الى الاسلام
مع العلم أن هذا الفيلم تم تسريبه وعرضه على قناة الناس وتحديد موعد لظهوره يوم 11 سبتمبر والدولة لم تتخذ التدابير القانونية الازمة لحماية الأمن القومى والمصلحة العامة.
لو كانت الدولة اتخذت تدابير الحماية اللازمة لحماية السفارات الامريكية، لما وقع اقتحام السفارة الامريكية فى مصر وانزال العلم الامريكى وواحلال محله علم (القاعدة الأسود) وكانت تنأى بنفسها تحميل مسؤوليتها الدولية فى حماية السفارات الاجنبية وممتلكاتها طبقا لاتفاقية فيينا 1961 فى المادة 59 حيث تنص على أن "تتخذ الدولة الموفد اليها التدابير الازمة لحماية المبانى القنصلية لبعثة القنصلية ...ضد أى اقتحام أو أضرار بها وولمنع أى اضطراب لأمن البعثة القنصلية أو الحط من كرامتها"
قالت هيلارى كلينتون فى جنازة السفير الامريكى بليبيا " إن شعوب مصر وليبيا وتونس لم تتحرر من الديكتاتورية من اجل ان تتحكم فيها الرعاع ، فعلى حكومات تلك الدول ان تضطلع بالدور المنوط بها فى حماية الدبلوماسيين" ...
مجمل حل هذه الاشكاليات يتلخص فى الاطار القانونى الدولى فى المادة 18 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية والخاصة بحرية الدين والمعتقد والمادة 19 الخاصة بحرية الرأى والتعبير بما فيها حرية تدوال المعلومات والتعبير بواسطة الانترنت والمادة 20 هى المادة الحاسمة للنزاع بين هاتين الحريتين الخاصة بعدم الدعوة الى الكراهية والتحريض والدعوة الى الحرب باعتبار ان هذه الحقوق تتسم بالعالمية ولا يجوز تجزئتها لانها مترابطة ولا يجوز لها فصلها عن بعض لانها متشابكة
فالدولة المصرية لديها مكنة قانونية ومصلحة قانونية اذا ارادت استخدامها فى اتخاذ اجراء دولى برفع شكوى الى لجنة حقوق الانسان بالامم المتحدة فى حل النزاع بين حرية التعبير والحياد الدينى التى تحميها امريكا بدون قيود شرعية عملا بالمادة 18 و19 وطبقا للمادة الثانية من العهد بتنفيذ الالتزامات الدولية التى تقع عاتق الطرفين تطلب من الدولة الامريكية فيما اذا كانت الولايات المتحدة امتثلت للمعايرالدولية الخاصة فى المادة 20 والخاصة بعدم الدعوة الى الكراهية والتحريض واثبات سوؤ النية من عدم بعرضه تعمدا بطريقة استفزازية للحصول على منافع سياسية ، فالامر الحاسم هو تنفيذ التزامات الدول فيما بينهم بحسن نية وبعدم التدخل العسكرى لاجل حماية سفارتهم الا بالقواعد الدولية التى تجيز التدخل العسكرية تطبيقا لمبدأ مسؤولية الحماية أو تتدخل لحماية الارهاب ضد الاعتداء على مصالحها على هذا المستوى الدولى بين الدولتين.ونكون بذلك دخلنا فى دوامة انتهاكات حقوق الانسان المحمية عالميا
أما على المستوى الداخلى فى مصر فعلى الدولة بكافة اجهزتها وخصوصا جهاز العدالة والأمن الوطنى بأن لا يمارس ويتخذ اجراءات تمييزية دينية فى تحقيق العدالة الجنائية وذلك بالقبض العشوائى على مسيحيين بتهمة ازدراء الاديان واستخدامها من جانب آخر اسلوب سياسة افلات من التحقيق للشيوخ والداعيين الى التحريض عمدا على كراهية الدين المسيحى مثل وجدى غنيم وأبو اسلام وخالد على مذيع قتنة الناس الفضائية، وتقديمهم للمحاكمة وملاحقتهم قضائيا . فعلى رجال النيابة العامة (أمن الدولة) التى تعتبر نفسها صاحبة الاختصاص فى حماية أمن الدولة والنظام العام من الازدراء الأديان . فلايوجد حتى الآن مفهوم واضح للازدراء للأديان بالنسبة للذين يعتدون على الدين المسيحى بالقول والفعل والنشر وانتاج الافلام. ولحسب معلوماتى تقدم اكثر من الف بلاغ ضد شيوخ ودعاة وكتاب وصحافة واعلام يقوم بازدراء المعتقدات المسيحية ورموزه.
اما اشكالية اللجوؤ الى قانون دولى أو اتفاقية دولية تتبنى مواجهة الحض علىالكراهية الدينية ولحل النزاع بين الحرية الرأى والتعبير وحرية العقيدة ستكون فى المقالة القادمة.
المكتب الدولى لحقوق الانسان
مؤسسة قانونية خاضعة للقانون السويسىرى
ch.awad@gmail.com
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع