بقلم : أنطوني ولسن
عرضنا في الجزء الأول من الخوف ماذا يفعل الخوف بالناس ، وكتبنا عن تأثير الخوف على الحكام مستشهيدين بثلاثة منهم . محمد على باشا وخوفه من المماليك ، والرئيس عبد الناصر وخوفه من الأخوان ، والرئيس السادات وخوفه من لوم العرب له بعد توقيعه معاهدة السلام مع إسرائيل . وختمت المقال بهذا الجزء :
بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل ، وجد السادات نفسه في مواجهة أخرى . مواجهة العرب والأمة الأسلامية . دافع عن نفسه بإعلانه أنه رئيس مسلم لدولة مسلمة . وقام بإطلاق الجماعات الأسلامية التي تكونت داخل السجون والمعتقلات وسمح بالعودة للجماعات التي بالخارج معللا ذلك أنهم "أي الجماعات الأسلامية " ستقوم بالتصدي للشيوعيين في مصر .
دعونا نكمل الموضوع و ما حدث مع الرئيس السادات ...
أطلق الرئيس السادات يد الجماعات الأسلامية لتفعل كل ما يحلو لها في مواجهة التنظيمات الشيوعية وغيرها وأصبح لهم اليد العليا على مجريات الأمور ومن الطبيعي أصاب أقباط مصر من المسيحيين ما أصاب من إعتداءات عليهم وعلى دور عباداتهم من حرق للكنائس وقتل أبرياء وحرق محلاتهم التجارية ومنازلهم مع السلب والنهب وتحولت مصر إلى غابة ذئابها الجماعات الأسلامية تفتك بمن تريد وتهدد من تريد حتى وصل الخوف جميع أطياف الشعب المصري .
مع الأسف لم يوقف السادات نشاطهم مما صعب الأمور في مصر . لم يشفع لهم الأنتصار في حرب أكتوبر 1973 . بل دفعهم إلى التهكم على السادات مباشرة وإتهامه بالكفر مما دفعه كما ذكرنا سابقا ، أن يعلن أنه رئيس مسلم لبلد مسلم . ومع ذلك صمموا على التخلص منه . تم لهم ذلك في السادس من أكتوبر عام 1981 ولا تعليق على مشهد الأغتيال ونجاح من قاموا بالعملية على الوجه الأكمل في غياب الأمن إن كان من الحرس الخاص للرئيس أو الأمن العام للمنصة ومكان الأستعراض
أنتهى عهد السادات بإغتياله . لكنه ترك لمصر أخطار وأخطار مازالت لها تأثيراتها على المجتمع المصري من الجماعات الأسلامية وعلى رأسها جماعة الأخوان المسلمين . فكان خوفه من مواجهة العرب والمسلمين بالحقائق حول قبوله بالذهاب إلى إسرائيل وتوقيع معاهدة كامب ديفيد سببا رئيسيا لأغتياله بأيدي من أطلق صراحهم .
الخوف ومبارك :
بعد إغتيال الرئيس السادات إنتقلت سدة الرئاسة للرئيس مبارك تلقائيا لأنه كان نائبا للرئيس السادات " بالطبع بعد إجراءات شكلية بمجلس الشعب " .
من المنطقي أن يبدأ حكمه بتقديم من تم القبض عليهم من الذين قاموا بعملية الأغتيال وتقديمهم للمحاكمة . بعدها تفرغ لمباشرة مهامه الرئاسية على أكمل وجه ولم يبدو عليه أيّ نوع من أنواع الخوف لا من الذين قتلوا السادات ولا من الجماعات الأسلامية . لكنه كان بارعا في إدارة شئون البلاد بإستخدام الفكر الشيطاني الذي يعتمد على نظرية " فرق تسد " . وهنا يأخذنا الى سؤال هام جدا حول تطبيق هذه النظرية على الشعب المصري وهو " فرق بين من ومن في مصر لتسد ؟!" .
الشعب المصري معروف عنه أنه شعب واحد متعدد الأديان والمذاهب لكنه شعب طيب يميل إلى السلم ومحبة الجار والأخر . فكان التعايش بينهم هو أسمى ما يمكن أن نطلق عليه التعايش الأخوي السلمي عشتها أنا ومن في سني إن كان مسلما أو مسيحيا ، من الصعيد و الوجه البحري و النوبة أو من البدو سواء في سيناء أو في أماكن أخرى في مصر . قد نتشاجر ونختلف لكن عندما يقول الواحد للأخر صباح الخير يرد الثاني صباح النور " يمكن بصوت فيه عتاب لا غضب " وتعود المياه لمجاريها . إذاً ما ذا يريد الرئيس من وراء تطبيق هذه النظرية " فرق تسد " وما الذي أوحى إليه بها ؟ والأجابة جد بسيطة فهو كان المسؤول عن الأمن في مصر عندما كان نائبا للرئيس السادات مما أعطاه رؤية واضحة عما يدور على أرض مصر خاصة بعد إطلاق أيادي الجماعات الأسلامية الشرهة والراغبة بتولي إما الحكم أو السيطرة على الشعب المصري بأسم الدين . وهنا مربط الفرس فقد تم لهم بالفعل تحقيق ذلك بزرع بذور الفتنة الطائفية بين المصريين ، بين المصري المسلم والمصري المسيحي . بدأ أيضا يستخدم لعبة القط والفأر ، يقبض على بعض من مثيري الشغب ويضعهم في السجون ثم يطلق صراحهم بعد " قرصت ودن خفيفة مع كلمة تحرم تعمل كده تاني " . ويتعامل مع المجني عليهم بالترضية والوعد والوعيد لكل من يخالف القانون أو يتسبب بأذى الأخر . قويت شوكة هذه الجماعات وبدأت تتجه إلى بعض من رموز الحكم إما بالأغتيال أو بالتهديد . ومع ذلك لم يعمل على إنهاء هذه اللعبة بالحزم ونعرف جميعا ما آلت إليه حال البلاد بسبب هذا التهاون في حق مصر .
الحاكم عندما تطول فترة حكمه ينتابه شعور بالعظمة فلا يعطي أدنى إنتباه لمشاكل الناس . هذا ماحدث مع مبارك فممن يخاف !! .. لا أحد .. الجماعات الأسلامية وعلى رأسهم جماعة الأخوان عرف كيف يروضهم بإطلاق أياديهم في البلاد يفعلون ما يفعلوا بأسم الدين . وأقباط مصر المسيحيين أحال مشاكلهم إلى الكنيسة لتتكفل بهم وتفرغ هو لإدارة العزبة " مصر " التي أصبحت ملكا له ولأسرته وأزلامه " على رأي الأخوة اللبنانيين " .
معنى هذا أنه لم يتطرق الخوف إلى قلبه ، يدير دفة البلاد ويوزع الأدوار و يركز على جمع المال بكل الوساءل والطرق . وكبرت الأسرة وأصبح لها تطلعات أبعد من العيش الرغيد الذي يعيشونه . بل أصبح موضوع توريث الحكم أحد أهم مطالبها . وهنا .. وهنا فقط بدأ الخوف يدب في قلبه . لكن ياولداه ماذا يفعل غير الرضوخ والمساهمة في تحقيق حلم الأسرة بالتوريث لأبنهم جمال . وكان هذا هو بداية طريق النهاية . لم تخيفه الجماعات الأسلامية ولا مشاكل الأقباط المسيحيين ولا أيّ من مشاكل مصر في الداخل أو الخارج فهو على صلة وثيقة بجميع الأطراف الخارجية والداخلية . لكنه خاف من أسرته ولم يستطع مواجهتهم فكانت هي شرارة إطلاق ثورة 25 يناير 2011 التي أجبرته على ترك كرسي الحكم ، بل تقديمه وأسرته ومن حوله إلى القضاء بتهم متعددة .
الخوف والأخوان :
ثورة 25 يناير عام 2011 كانت في أيامها الأولى حديث العالم الذي إنبهر بها مما أظهره الشعب المصري من تلاحم وإصرار على رحيل مبارك . رأينا أجمل ملحمة يمكن أن تتجسد في هذا المشهد الرائع . مشهد المسيحيون يقفون حول إخوتهم المسلمين وهم يؤدون الصلاة في الميادين والشوارع وخاصة ميدان التحرير . وظهر عمق المحبة بينهم بحماية المسلمين لأخوتهم وأخواتهم من المسيحيين وهم يرتلون ويصلون والفرحة والبهجة والتماسك والتضامن تظهر على وجوه الجميع .
تحقق للشعب مطلبه ورحل مبارك . مع الأسف إنفض المولد ولم يبق سوى الأخوان والسلفيين وبعض الجماعات الأسلامية وقليل من شباب الثورة .
الأخوان المسلمون بعدما إبتعدوا عن ساحة الثورة ، رأيناهم يعودون بكثافة وتنظيم جعل منهم أبطال الثورة فحق لهم الأستمرار والمضي قدما في طريق الوصول للحكم الذي إنتظروه سنوات طوال ودفعوا الكثير من التضحيات مثلهم مثل أي تنظيم أو جماعة تريد أن تسعى إلى ما سعى الأخوان إليه .
لن أخوض في تفاصيل مللناها . لكن ندخل في الموضوع مباشرة .
وصل الأخوان ومعهم السلفيون إلى مجلس الشعب وهللوا وكبروا وظنوا أنهم الشعب والحكومة وتعالو على الجميع ونسوا أنفسهم مما جعلهم محل إعادة النظر في أسلوب تداولهم أمور البلاد .
الشعب المصري ليس بالشعب البسيط . لكنه طويل الأناة والصبر ومع ذلك بدأ يظهر غضبه وعدم رضاه وكان ذلك واضحا في إنتخابات الشورى .
بدأ القلق يظهر في تصرفات الأخوان مصحوبا بمنافسة قوية من السلفيين فانعكس ذلك على مجريات الأمور وبدأ الخوف يتطرق إليهم فبدأوا بمحاولة الأستحواز على أكبر شريحة من الحكم وظهر ذلك جليا في إنتخابات الرئاسة .. رئاسة الجمهورية .
وقد نجحوا في الأعادة نجاحا تحيطه ضبابية وشكوك لن تنمحي من فؤاد الشعب المصري على الرغم من أن النتيجة إنتهت بإعلان الدكتور محمد مرسي رئيسا للجمهورية المصرية والتي أطلق عليها الجمهورية الثانية .
لا أحد يستطيع أن يجزم بصلة المجلس الأعلى للقوات المسلحة والأحوان . لكن من الواضح أن الأخوان بسرعة أزاحوا المجلس بعيدا عن طريقهم ومضوا في الأستيلاء على كل مناحي الحياة السياسية والأدارية لصالحهم خوفا من ضياع السلطة من أيديهم خاصة أن مجلس الشعب مازال موقفه مؤرجحا بين العودة بعد إلغائه لعدم دستورية إنتخابه ، وبين الدخول في إنتخابات جديدة أصبحت غير مضمونة العواقب فقد لا يحصلون على ما حصلوا عليه سابقا . ولننتظر ما تخبئه الأيام للأخوان وللشعب المصري .
كما تحدثنا عن الخوف في بداية الجزء الأول ، أحب أن أختم الجزء الثاني أيضا بالحديث عن الخوف .
يمنع الخوف الأنسان من الأفصاح بمكنون نفسه والتعبير عن شعوره ورغباته ويجعله يعيش دائما في دائرة الشك . يشك فيمن حوله على مستوى الأسرة، وفي من حوله على مستوى المجتمع . بل الخوف يدفع الأنسان سواء هذا الأنسان شخص عادي أو رجل دين أو دولة إلى النفاق والكذب حتى لا يتعرض للآزى . لأن الحاكم يستطيع أن يزيد من قبضته على الشعب الذي يسرع بتلبية طلباته والتقرب اليه ولو على حساب أخيه وعائلته ودينه أيضا .
نعم يبيع ألأنسان نفسه في سبيل الحياة . يكتشف بعد ذلك أنه باع نفسه ولم يعش الحياة التي كان يتمنى أو يظن أنه سيعيشها بعد بيع نفسه . وتتكرر المأساة مع فرد وأفراد والمجتمع والوطن أيضا ...
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع