هاني صبري - المحامي
وافقت لجنة الشؤون الدينية والأوقاف بمجلس النواب ، من حيث المبدأ على تعديل بعض أحكام قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 51 لسنة 2014، بشأن تنظيم ممارسة الخطابة الفتوي والدروس الدينية فى المساجد ووسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.وما فى حكمها. 
 
وتنص المادة.
الثانية منه لا يجوز لغير المعينين المتخصصين أو المرخص لهم من غير المعينين من خريجى الأزهر والعاملين به من الأئمة بالأوقاف والوعاظ بالأزهر الشريف والإفتاء المصرح لهم، ممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما فى حكمها، والتحدث فى الشأن الدينى بوسائل الإعلام المرئية، أو المسموعة، أو الإلكترونية.
 
كما يفرض مشروع القانون عقوبات مشددة على من يتحدثون في أمور الدين عبر المنصات من غير العاملين بالمؤسسات الدينية الرسمية، أو المرخص لهم بذلك من تلك الجهات.
 
والمؤسسات الدينية الرسمية هي الأزهر، ووزارة الأوقاف، ودار الإفتاء.
 
حيث تنص المادة 5 من مشروع القانون المقترح على أن يعاقب بالسجن المشدد، مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز سنة، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام بممارسة الخطابة أو أداء الدروس الدينية بالمساجد والأماكن العامة ودور المناسبات وما فى حكمها والتحدث فى الشأن الدينى بوسائل الإعلام بدون تصريح أو ترخيص أو أثناء إيقاف أو سحب الترخيص، وكل من أبدى رأيًا مخالفًا لصحيح الدين، أو منافيًا لأصوله أو مبادئه الكلية المعتبرة، إذا ترتب على آرائه إشاعة الفتنة أو التحريض على العنف والحض عليه بين أبناء الأمة، بالمخالفة لحكم المادة الثانية من هذا القانون، وتضاعف فى حالة العود، وتصل للأشغال الشاقة المؤبدة.
 
في تقديري الشخصي مشروع هذا القانون يعد شكلاً من أشكال الوصاية الدينية ، فالدين شأناً بين الإنسان وربه، ولا وصاية عليه من احد ، لكن جعل الحديث في الدين مقصوراً على أشخاص بعينهم، تختارهم المؤسسة الدينية دون غيرهم يضمن لها أن هؤلاء الأشخاص سيقولون فقط ما تراه المؤسسة، للحفاظ على مكانتها أو لتثبيت أفكار بعينها ، إما المتخصصين الغير تابعين لها والذين يتبنون تفسيرات وفهماً مغايراً ربما يتعرضوا للعقاب وفقاً لمشروع هذا القانون ، فضلا عن  امتلاك مؤسسة واحدة حق الحديث في الدين قد يخلق كيان موازي للدولة وقد يحدث صراعات بينهم نحن في غني عنها.
ناهيك عن مشروع هذا القانون فيه شبهة عدم دستورية لمخالفته للمادة ( ٦٥) من الدستور المصري الحالي الذي ينص علي أن حرية الفكر والرأى مكفولة، وأن لكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو بالتصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر.
 
وحيث إن الدستور حرص على أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلا بصون الحقوق والحريات العامة على اختلافها، كي لا تقتحم إحداهما المنطقة التي يحميها الحق أو الحرية، أو تتداخل معها، بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة. ولقد كان تطوير هذه الحقوق والحريات وإنمائها من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهيم حماية الحقوق والحريات، توكيدا لقيمتها الاجتماعية، وتقديرا لدورها في مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها، ولردع كل محاولة للعدوان عليها. وجعلها مشمولة بالحماية الدستورية، ووثيقة الصلة بالمصالح المباشرة للجماعة، وهي تؤثر بالضرورة في تقدمها، وقد تنتكس بأهدافها القومية، متراجعة بطموحاتها إلى الوراء.
 
ويتعين بالتالي حرية الرأي والتعبير بكافة وسائله وأدواته المختلفة ، فهو حقاً مكفولا لكل مواطن، وأن يتم التمكين لحرية عرض الآراء وتداولها بما يحول - كأصل عام - دون إعاقتها، أو فرض قيود مسبقة على نشرها. وهي حرية يقتضيها النظام الديموقراطي، وصولاً إلى الحقيقة، من خلال ضمان تدفق المعلومات من مصادرها المتنوعة، وعبر الحدود المختلفة، وعرضها في آفاق مفتوحة، فليس جائزا أن يكون القانون أداة تعوق حرية التعبير مادام هذا الشخص قد ذكر آراءه وفقاً  للمعيار والحدود والخضوع للضوابط التي فرضها الدستور والقانون عليه.
 
وأنه من الخطر فرض قيود ترهق حرية التعبير بما يصد المواطنين عن ممارستها، وأن الطريق إلى السلامة إنما يكمن في ضمان الفرص المتكافئة للحوار المفتوح، ومن ثم كان منطقيا، بل وأمرا محتوما أن ينحاز الدستور إلى حرية النقاش والحوار لأن حوار القوة إهدار لسلطان العقل، ولحرية الرأي والتعبير. وهو في كل حال يولد رهبة تحول بين المواطن والتعبير عن أرائه، بما يعزز الرغبة في قمعها، ويكرس عدوان السلطة العامة المناوئة لها، مما قد يهدد في النهاية أمن الوطن واستقراره.
 
يعد إجراء الحوار المفتوح ضمانا لتبادل الآراء على اختلافها، كي ينقل المواطنون علانية تلك الأفكار التي تجول في عقولهم ومناقشتها في إطار سلمي في ظل الحماية التي كفلها الدستور لحرية التعبير عن الآراء بما لا يخل بالمضمون الحق لهذه الحرية، أو يجاوز الأغراض المقصودة من إرسائها.
جدير بالذكر أن القانون رقم 51 لسنة 2014 أصدره الرئيس المستشار عدلي منصور، خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم عن سدة الحكم، إثر ثورة شعبية واسعة في 30 يونيو 2013.
 
في تلك الفترة كان الإخوان المسلمين وحلفاؤهم يسيطرون على غالبية مساجد مصر، ولهم حضور واسع على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام، والعديد من الدعاة كانوا داعمين لهم ومتأثرين بهم، ومن ثم كان خطابهم وفتاواهم تزعزع الأمن والاستقرار بالبلاد.
 
لكن مشروع القانون المقترح يأتي في وقت أحكمت وزارة الأوقاف قبضتها على جميع مساجد مصر، وتراجع تأثير جماعة الإخوان المحظورة والتيارات الدينية المناوئة لها إلى حد كبير في الشارع، وعلي الرغم من التأكيدات أن مشروع القانون يهدف إلى تنظيم الفتوى فقط، ، إلا أن هناك مخاوف من تقييد رجال الدين والمفكرين والكتاب الذي يتبنون وجهات نظر لا تتطابق مع المؤسسة الدينية الرسمية، وأنه سوف يتم إبعادهم عن المشهد، نحن لسنا ضد تنتظبم الفتوي ووضع ضوابط لها ، لكن لا يجب أن يمنع أصحاب وجهات النظر المختلفة من الحديث في شؤون الدين ، من غير المتصور إن رأي شخص يؤثر علي الدين كما يتوهم البعض. 
 
إن الدين قضية إيمانية وكل شخص له مطلق الحرية في اعتقاده ويجب تكريس حرية التعبير ويكون هناك عرض للرأي والرأي الآخر.
وبناء عليه نناشد مجلس النواب رفض مشروع هذا القانون لانه رده للوراء وتراجع عن حماية حرية التعبير ومشوب بشبهة عدم الدستورية.