إعداد/ ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الآرثوذكسية يوم 5 أمشير الموافق 12 فبراير بتذكار نياحة القديس العظيم الأنبا بيشاي صاحب الدير الأحمر الأثري بسوهاج . وأود في البداية أن أصحح خطأ يقع فيه الكثيرون ؛ وهو الخلط بين الأنبا بيشوي والأنبا بيشاي ؛ فالأنبا بيشوي قديس عاش في القرن الرابع الميلادي وهو صاحب الدير الأثري المعروف بدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون ؛ ومعني أسم بيشوي باللغة القبطية هو سامي . أما الأنبا بيشاي صاحب هذا المقال فهو قديس آخر عاش في أخميم بمحافظة سوهاج ؛ ومعني أسم بيشاي باللغة القبطية هو عيد . أما عن الأنبا بيشاي نفسه ؛ فلقد ولد في قرية أبصونة من من نواحي تخوم أخميم وسمي بأسم بطرس ؛ وفي شبابه صار يسلك بالشر ؛ لكن الرب لم يسمح له ان يستمر في حياة الشر ؛ إذ افتقده بنعمته ؛ فلقد أصابه مرض شديد ؛ وفي الليل شاهد رؤيا موضع العذاب الأبدي فصار يبكي بمرارة . ورفع نظره إلي السماء وصرخ قائلا " يا سيدي وإلهي إن شفيتني من هذا المرض أتوب وأرجع إليك وأعبدك من كل قلبي" . وبالفعل شفي الصبي بطرس ؛ فلم ينس وعده للرب بل ألتهب قلبه في شوق وحنين لحياة الرهبنة ؛ فترك مهنته في رعاية الغنم وأنطلق إلي الدير ليلتقي بالقديس الاانبا بيجول ( كلمة قبطية معناها قرص العسل ) وهو خال القديس العظيم الانبا شنودة رئيس المتوحدين ( شنودة كلمة قبطية معناها ابن الله ) طالبا الرهبنة ؛ وبالفعل تمت رهبنته تحت أسم بشاي؛ وعاش مع القديس الانبا بيجول في صداقة عجيبة ورهبنة قوية ؛ يشتركان معا في النسكيات والعبادة بلا ملل ؛ يسهران الليالي معا يقاومان تجارب عدو الخير .
وكانا يكثران من الأصوام والتعبدات الطويلة ؛ فكانا يقضيان الليل كله واقفين للصلاة ؛ وجاء لزيارته كثؤون من كل بلاد مصر يطلبون بركة صلواته ؛ فكان يساندهم بعظاته القوية المؤثرة ؛ كما كتب سلسلة مقالات نافعة للرهبان والذين في العالم .وخلال صداقته مع الأنبا بيجول جاء الانبا شنودة ابن اخت الانبا بيجول ؛ فالبسه خاله الاسكيم المقدس بناءعلي إعلان سماوي وكان ذلك في حضور الانبا بيشاي نفسه ؛ ولقد عاش الثلاثة قديسيون يعملون معا في جد ونشاط واجتهاد ؛ وبني كل واحد منهم لنفسه مسكنا في الجبل ومسكنا آخر بجوار الكنيسة . ولقد تنيح القديس الانبا بيشاي في الخامس من امشير ؛ فكفنه القديس الانبا شنودة بنفسه ؛ وكتب سيرته ونسكياته ؛ كما ظهرت من جسده آيات وعجائب كثيرة ( للأسف الشديد لم تذكر المراجع المتاحة لي لا تاريخ ميلاده ولا نياحته ؛ ولا عمره الذي عاش علي الارض ؛ ومن لديه معلومات متاحة عن ذلك فليتفضل ويفيدنا بها ).
أما عن الدير الأحمر ؛ فهو واحد من أشهر الأديرة القبطية الأثرية . فلقد كتب عنه المقريزي في موسوعته الشهيرة فقال عنه تحت أسم الدير الأحمر " ويعرف بدير أبي بيشاي ؛ وهو بحري الدير الأبيض . بينهما نحو ثلاث ساعات ؛ وهو دير لطيف ؛مبني بالطوب الأحمر . وأبو بشاي هذا من الرهبان المعاصرين لشنودة ؛ وهو تلميذه ؛ وار من تحت يده ثلاثة آلاف راهب ؛ وله دير آخر في برية شيهات " ( هذه أحدي الأخطاء الشائعة ؛ فدير برية شيهات علي أسم الأنبا بيشوي ؛ وليس الأنبا بيشاي ؛ راجع مقدمة المقال ).(عبد المجيد دياب :- تاريخ الاقباط المعروف بالقول الأبريزي للعلامة المقريزي ؛دار الفضيلة ؛ صفحة 170 ؛171 ).
كما كتب عنه الرحالة الراهب الدومنيكاني الشهير فانسليب في كتابه "تقرير الحالة الحاضرة 1671 " سطرا واحدا قال فيه " الدير الأحمر للطوباوي أبا بيشوي " ( نفس الخطأ الشائع ) ( المرجع السابق ذكره ؛ صفحة 159 ) ؛ كما أضاف الاستاذ نبيه كامل داود في كتابه عن "تاريخ المسيحية والرهبنة في أبروشيتي سوهاج وأخميم " الصادر عن مؤسسة القديس مرقس لدراسات التاريخ القبطي شهاة أخري لفانسليب عن الدير فقال عنه "وزرت بعد ذلك الدير الاحمر بنفس الجبل ؛ويبعد مسافة ساعة عن الدير الأبيض ؛ وقد بني بنفس الأسلوب ولكنه اصغر منه . وأما عن كنيسة الدير ؛فلم يبق منها سوي الخورس والهيكل ؛وأعمدة الحصن للكنيسة باقية وعالية وكبيرة مثل الموجودة بالدير الأبيض ؛ويسمي هذا الدير باسم الانبا بيشوي . وايضا يوجد عمود علي كل جانب من جانبي الهيكل غاية في الإبداع لم اري مثلهما " ( المرجع السابق ذكره ؛ صفحة 107 ) .
كما ذكره العلامة القمص عبد المسيح المسعودي البراموسي الصغير ( 1848- 1935 ) في موسوعته الخالدة " تحفة السائلين في ذكر أديرة رهبان المصريين " تحت عنوان "دير القديس ابو بشاي او انبا بيشوي " فقال عنه " في سفح الجبل الغربي إلي غرب سوهاج بمديرية جرجا . وهو قديم شمالي غرب دير أنبا شنودة السابق ذكره بنحو ساعة . ولذلك دعي عند المؤلفين بالعربي والانجليزي الدير الأحمر . ودير الأنبا شنودة الدير الأبيض . وليس فيه الان رهبان ( هذا وقت كتابة الموسوعة) بل كنيسة يصلي فيها قسوس علمانيون . وتزوره الناس في كل سنة. " ( المرجع السابق ذكره ؛ صفحة 144 ؛145 ) .
كما كتب عنه الأستاذ الدكتور رؤوف حبيب (1902- 1979 ) في كتاب "تاريخ الرهبنة والديرية في مصر وآثارها الإنسانية علي العالم " فقال عنه " يبعد هذا عن الدير الأبيض بحوالي اربعة كيلو مترات إلي الشمال . وقد سمي بهذا الأسم نسبة لأن اغلبه مبني بالطوب الأحمر . كما أن جدرانه مغطاة في أكثر أجزائها باللون الأحمر وينسب هذا الدير إلي قديس مشهور وهو الأنبا بيشوي الذي يعزي اليه أيضا بناء الدير الشهير المعروف بهذا الأسم في منطقة وادي النطرون ( نفس الخطأ الشائع ؛ راجع مقدمة المقالة ) . ومساحة هذا الدير تبلغ حوالي ثمانية قراريط أي حوالي نصف مساحة الدير الابيض . أما حوش الكنيسة فالظاهر انه كانت هناك مقامة فيه عدة أعمدة من الجرانيت الأسود ومحفور في الوسط صليب داخل دائرة " . ( لمزيد من التفاصيل ح راجع الكتاب السابق ذكره ؛ الصفحات من 196 : 198 ) .
وكتب عنه نيافة الحبر الجليل الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر والخانكة ومنطقة ابو زعبل المتنيح ورئيس قسم العمارة بمعهد الدراسات القبطية سابقا في كتاب "الدليل إلي الكنائس والأديرة القديمة من الجيزة إلي اسوان " تحت رقم 124 ؛ وتحت عنوان " دير الأنبا بيشاي غرب سوهاج " فقال عنه " يبعد دير الانبا بيشاي مسافة 4 كم شمال دير اأنبا شنودة ويصل بينهما طريق إسفلتي ؛ وهو يشبه دير الأنبا شنودة إلي حد كبير . هيكل الكنيسة ثلاثي الحنيات وتزينه الحنيات ذو الجملون المنكسر ( طراز معبد بعلبك بالشام ) ومعظم حوائط الهيكل والحنيات بها فرسكات قديمة جدا . ويحيط بالهيكل حجرتان بحرف L ليكون الشكل الخارجي كشكل المعبد الفرعوني المستطيل المعتادز صحن الكنيسة الأوسط كانت تحيطه ثلاثة أروقة في الشمال والجنوب والغرب وقبلي الكنيسة كانت توجد صالة المخل ( النارتكس) وقد تهدمت معظم مباني الصحن النارتكس ولا يظهر سوي بعض بقاياهم . ويرجع تاريخ الكنيسة لأوائل القرن السادس الميلادي . وفي الركن القبلي الشرقي من الكنيسة يوجد الحصن القديم وبه بعض المغطس ويعلو الباب زخارف نباتية رائعة . وفي الركن القبلي الغربي أنشئت كنيسة حديثة كنيسة حديثة للسيدة العذراء مغطاة بالقباب " ( المرجع السابق ذكره ؛ صفحة 57 ) .
ولقد كتب كل من الأستاذ نبيه كامل داود والدكتور عادل فخري صادق كتابا كاملا عن أديرة سوهاج وأخميم ( سبق الأشارة إليه ) وقدم فيه الأستاذ نبيه كامل وصفا شاملا للدير الابيبض والاحمر وتاريخمهما عبر العصور ؛ فذكر أن من ضمن زوار الدير الأحمر كل من بوكوك Pocoke عام 1737 . ثم دنون Denon في عام 1798 . وكانت وقتها الحرب قائمة عنده بين المماليك وتخرب بسببهم . ( نفس المرجع السابق ؛صفحة 108 ) .
أما عن أحدث الكتب التي ظهرت وكتبت عن الدير الأحمر ؛ فهو كتاب " الكنائس في مصر منذ رحلة العائلة المقدسة إلي اليوم " وللدكتور جودت جبرا ؛والصادر عن المركز القومي للترجمة تحت رقم " 1844 " وعن الدير الأحمر كتب يقول " انها كنيسة بنيت علي الطراز البازليكي بها هيكل ثلاثي التقسيم وقاعة طويلة شيقة تمتد بمحاذاة الحائط الجنوبي . وتعلو أفاريز منحوتة ؛أعيد استخدامها ....... ويتكون التصميم المعماري للهيكل الثلاثي من صفين من الحنيات غنية الزينة ..... وعلي مر العصور ؛علا السواد الرسومات ؛فبدأت في عام 2002 أعمال ترميم أعادت الجزء الشمالي من الكنيسة إلي سابق عهده من التألق . وتشير أبحاث حديثة إلي أن الجداريات المرسومة علي نصف القبة (الطبقة الرابعة من الجداريات) ترجع إلي نحو 800 م ؛في حين تنتمي الرسومات المعمارية إلي الطبقة الثانية من الجداريات . وأثرت وفرة التفاصيل ؛ التي كشفت أعمال الترميم النقاب عنها ؛بصورة كبيرة من المعلومات عن فن الرسم في نهاية العصور المسيحية الأولي بمصر ؛ وكذلك عن تاريخ الدير ( المرجع السابق ذكره ؛ صفحة 282 ) .
أما آخر مرجع كتب عنه فهو – في حدود معلوماتي – كتاب "المسيحية القبطية في ألفي عام " للمؤرخ الألماني الشهير أوتو مينارديس " ترجمة الدكتور مجدي جرجس ؛وقد صدر عن المركز القومي للترجمة تحت رقم (2353 ) حيث قال عنه "يبعد دير الأنبا بيشاي (الدير الاحمر) حوالي ثلاثة كيلو متر عن الدير الأبيض ةعلي عكس الدير الأبيض ؛يقع الدير الأحمر داخل قرية ؛وتحيط به المنازل من الناحيتين البحرية والغربية ؛وأسم الدير الأحمر ؛جاء بسبب أسواره الخارجية المبنية بالطوب الاحمر ....... وتقع كنيسة الأنبا بيشاي في الركن الشمالي الشرقي من الدير ؛والتصميم الأصلي بالكنيسة يتطابق تقريبا مع كنيسة الأنبا شنودة . وبالكنيسة هيكل وحيد ؛معلق علي حجابه أيقونات القديسين وأجنحتها ؛ أما كنيسة السيدة العذراء ؛فتقع في الركن الجنوبي الغربي من الدير ؛ويبدو أنها كنيسة قديمة جدا . وتوجد بئر ملاصقة لها من الغرب (راجع الفقرة باكامل في الكتاب السابق ذكره ؛صفحة 249 ) .
كما ذكره الباحث الاستاذ عصام توني علي صفحته الشخصية علي الفيس بوك عرضا تفصيليا لتاريخ الدير علي صفحته الشخصية بتاريخ 3 فبراير لمجموعة الصور والجداريات الموجودة بالدير الأحمر بتاريخ 4 فبراير ؛ 5 فبراير .
ولقد جاء علي صفحة المركز الإعلامي للكنيسة القبطية الآرثوذكسية Coptic Orthodox Church Spokesperson بتاريخ 18 يناير 2019 م الموافق 10 طوبة 1735 ش تحت عنوان زيارة وفد مركز البحوث الامريكي للدير الأحمر بسوهاج حيث أستقبل القمص أنطونيوس الشنودي أمين الدير وعدد من رهبانه ؛الوفد المكون من رئيس المركز الدكتورة بيتسي برايان ؛ومدير مكتب المركز بالقاهرة الدكتور لويس برتيني ؛ومهندس الترميم الدكتور نيكولاوس وارنر , ومن المقرر ان ينهي الوفد أعمال ترميم المرحلة الأولي من أيقونات الكنيسة الاثرية . بالإضافة إلي المرحلة الثانية من ترميم صحن الكنيسة والحصن وبدء المرحلة الثالثة لسقف الكنيسة . ويذكر أن بعثة مركز البحوث الأمريكي تعمل في ترميم الدير الاثري العريق منذ سنوات بغية إعادته إلي صورته الأصلية من خلال عمليات فنية الدقة والتعقيد ؛ مما جعله حاليا الأثر الديني المسيحي الأهم بعد سانت كاترين .
بعض مراجع ومصادر المقالة :-
1- عبد المجيد دياب :- تاريخ الاقباط للعلامة المقريزي ؛ دار الفضيلة 1995 .
2- فانسليب :- تقرير الحالة الحاضرة 1671 ؛ ترجمة وديع عوض ؛ تقديم محمد عفيفي ؛ المجلس الأعلي للثقافة ؛ الكتاب رقم 1005 ؛صفحة 159 .
3- جودت جبرة :- الكنائس في مصر منذ رحلة العاءلة المقدسة إلي اليوم ؛ ترجمة أمل راغب ؛ المركز القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم 1844 ؛ صفحة 282 .
4- أوتو مينادريس :- المسيحية القبطية في ألفي عام ؛ترجمة مجدي جرحس ؛ المركز القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم ( 2353 ) ؛صفحة 249 .
5- عصام توني :- صفحته الشخصية علي الفيس بوك .
6-صفحة المركز الإعلامي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بتاريخ 18 يناير 2019 .