Oliver كتبها
- شغلنى الرجل البار.أرقبه مندهشاً الرجل ذو الثلاثمائة ست و خمسون سنة.كعدد أيام السنة كانت سنوات حياته معنا.عاش مع جده آدم سنيناً طوال كان حفيد أحفاده المدلل عند حواء.ظل يسمع منه عن الله و جمال ملكوته أكثر من مئتى سنة .عرف منه كل الحقيقة.كثيراً ما يأخذ أركاناً قرب الأنهار الأربعة حيث أختفت الجنة من وسطها.يجلس كأنه فى هيكل مع أولاد و أحفاده.يحكي لهم حلاوة العشرة الإلهية.
- يرتدى ثوب الآراميين و يخدم وسط الناس كمعلم.هكذا كان وقوراً و عمله كمعنى إسمه.أخنوخ المُعلم. كان معلماً للتقوى.لم يكن فى زمنه فقيراً أو غنياً فكل أحد يمتلك ما يشاء لكن أخنوخ لم يطمع فى شيء قدر طمعه فى بر الله. إذا تأمل روحياً أغمض عينيه و إذا تكلم روحياً نطق مفتوح العينين يرى ما لانراه يسمع ما لا نسمعه .ينكسر حيناً تحت دموع منهمرة ويقف أحياناً شامخاً كجبل بلا خوف ضد الشر فى جيله.لأن قايين أنجب أشراراَ كثيرة و الأشرار أنجبوا شروراً أكثر.كرز أخنوخ وسط القتلة .
- أخنوخ إبن البار شيث عاش الزمن الذى فيه ملأ نسل قايين الأرض بخيامهم السوداء و قلوبهم السوداء.كنا نرى طمعهم فى كل الأرض .تحسرنا حين بنى قايين أول مدينة لإبنه حنوك ليرث الجشع و التوسع.بناها طمعاً بلا سبب فصارت معقلاً تتحصن فيه وحوش الناس من وحوش الأرض.العنف دينهم و التجبر طبعهم.طمعوا فى كل شيء مع أن الوفرة للكل .نشروا البغضة و إستمالوا البعض من نسل شيث.إندثر البر بإنتشار القساوة التى زرعها قايين.قلبى يتساءل أين أخنوخ فأرقبه لكننى ما أدركته.كان يختفى أياماً طويلة و يعود بوجه بهى و لا نعرف أين كان.بعض الأيام يهرول فى النهار صوب الخيام السوداء يكرز و يعلو صوته كمن يقود ثورة.يقرع أبواب مدينة حنوك فلا يفتح له.يقف أخنوخ بلا خوف من القتلة .يصرخ فيهم أن يفيقوا قبل أن تهلك الأرض بسببهم .أول كارز نعرفه بعد السقوط.
- تزوج أخنوخ صغيراً و أنجب متوشالح و فرحنا معه ثم أنجب بنيناً و بناتاً كثيرة.كان ينشر البر بعائلته المقدسة كم رأيناه يضع يده على رأس متوشالح و يصلي ثم يجلس فنجلس لنسمعه تحت ظلال الزيتون. يحكي لمتوشالح ما تعلمه من الجد الأكبر آدم.أخنوخ أب حنون و متوشالح تعلم منه البر.كان أخنوخ يصطحب إبنه حين يزور آدم جده الأكبر.سأله متوشالح عن الجنة فأخبره عن السماء.سمعناه يحكى عن الملائكة كأصدقاء مقربين يعرفهم بأسماءهم.يصف لنا مجد الله بتفاصيل مبهرة.كلما غاب عاد إلينا برسالة. عن الخلاص تكلم فلم نفهم و عن مدينة لا نعرفها إسمها مدينة السلام .كنا نعرف مدينة حنوك وحدها.عن هلاك الأرض تكلم بسبب الشر,صدقناه,خفنا و بكينا و طلبنا أن يشفع فينا فلا نموت.
- كلنا لاحظنا تغير وجه أخنوخ الجبار.صار عقله يشرد كثيراً.لا أحد يستطيع أن يتأمله.ظل شهوراً لا يأكل كعادته عند النهر. أكثر من تقديم الذبائح قرب النبع ككاهن سمائى دون أن نعرف سبباً. بعدها يأخذ متوشالح و يتحادثان لوقت طويل لا يسمح لأحد أن يشاركهما, قلنا لعله يوص إبنه بأمر يخصه وما عرفنا وصيته.بعد تلك الشهور ظل أخنوخ يطوف كل الأماكن.كل أسرته تتبعه و تكرز معه.يدور بترتيب على كل خيمة و بيت,يحتضن الجميع و يصلي. كلما قابل أحداً كان يهتف الرب قريب.البعض يفرح و الأغلب من الناس تسخر.ترافقه كل عائلته أينما ذهب كأنهم يخشون أن يضيع منهم أو هو يخشي أن يفتقدهم .ليس من طبعنا أن نخرج هكذا إلا لو جف النبع عندنا فنهجر الأرض كلنا أما أخنوخ فنبعه لم يجف بل يفيض كل يوم , لماذا يصطحب الجميع و هو لن يهاجر؟ ألعله يريهم أين كان يغيب و يختفي؟
-ذات يوم وجدنا كل أولاد و بناته و أحفاده ينتشرون.يقرعون كل الأبواب.يسألون هل أخنوخ عندكم لكن الإجابة واحدة يقولون لم نره منذ جاء و إحتضننا.متوشالح يسير معهم كمن يعرف شيئاً لكنه لا يفصح .
-أما نحن فجمعنا أنفسنا لنتشارك البحث .تقفينا آثار قدميه.سرنا نتتبعها.قادتنا آثاره إلى سفح الجبل حيث الزيتون.صعدنا كلما وجدنا على الرمال آثاره.حتى تحولت الرمال إلى صخرة كبيرة.هناك لم نجد أثراً.عدنا فسألنا الناس هل وجدتم أخنوخ فأجبناهم لا يوجد أخنوخ لعل الله نقله لأنه لا أثر لقدميه بعد.كنت قريباً من جمجمة آدم حيث دفناه.منذ ذلك الحين صارت لنا عادة أن ندفن موتانا قرب الصخرة.
- فقدنا الأمل فى عودته بعد السنين الطويلة من غيابه.عاش أخنوخ مع الله فلم يمت.طلعت الصخرة ليلاً حيث كانت نهاية آثاره على الأرض.صحت أنادى على أخنوخ سائلاً.هل وصلت مدينة السلام يا رجل أم أنك ما زلت متعلق بأسوارها ؟تلك التى حدثتنا عنها؟هل تعيش مع الملائكة التى وصفتها لنا.هل تعيش الخلاص الذى بشرتنا به؟ كدت أتجمد من البرودة.لم أجد ما أستدفئ به .سرعان ما حمل الريح رداءاً فتعجبت أن الرداء يصعد نحوى من سفح الجبل فأخذته و تلفحت به وشعرت بدفء عظيم .نزلت من فوق الصخرة مبتهجاً .شكرت رب الصخرة و رب الرداء و رب أخنوخ .منذ تلك الليلة أرتدى الرداء فأجد نفسى من جديد فوق الصخرة أنادى إله أخنوخ البار.