الخميس ١٣ سبتمبر ٢٠١٢ -
١٤:
٠٩ ص +02:00 EET
بقلم : إسماعيل حسني
لن يستغرق الأمر طويلا حتى يكتشف المصريون الخدعة الكبرى التي اكتشفتها الشعوب الأوروبية منذ أربعة قرون إبان الحكم الكنسي، وهي أن السماء لم ولن تطرح حلولا للمشكلات المادية التي يعاني منها سكان الكرة الأرضية.
فلقد استطاعت الكنيسة أن تفرض سيطرتها على أوروبا لعدة قرون بخداع الناس وإيهامهم أن الكتاب المقدس يحتوي على حلول لكل المشكلات التي يعانون منها، وأنهم لو أطاعوا تعاليم الكنيسة فإن السماء سوف تفتح أبوابها لتتدفق منها الخيرات مدرارا على رؤوسهم. وصبر الأوروبيون طويلا ولم يروا أبوابا تفتح في السماء ، ولم يزدادوا رغم انصياعهم الكامل لأوامر الكنيسة ونواهيها إلا فقرا وجهلا ومرضا، فاكتشفوا الخدعة، وعرفوا أن للتقدم أسبابا موضوعية ليس لها علاقة بالدين أو العقيدة، وثاروا على الكنيسة، وخاضوا ضدها حروبا دامية حتى نجحوا في عزلها عن إدارة شئون حياتهم.
واليوم نشرب نحن من نفس الكأس، وندخل في ذات النفق المظلم، بعد أن استغل بعض الدجالين انتشار الجهل والأمية في أبناء شعبنا وقاموا بإعادة انتاج الخطاب الكنسي القديم، وأوهموا البسطاء أن حلول جميع مشكلاتهم متوفرة وجاهزة في القرآن، وأن ذوي العمائم سوف يقومون باستخراجها وتطبيقها عندما تصل جماعات الإسلام السياسي إلى الحكم. فابتلع الطيبون الطعم، ورضوا بالصفقة أملا في تحسن أحوالهم المعيشية. خاصة وأن الإخوان أعلنوا عن مشروع إسلامي جاهز للنهضة قوامه 200 مليار دولار يمكنها أن تغرقنا جميعا في بحور من اللبن والعسل.
وبعد أن ذهبت سكرة الإنتخابات وحماستها، وجاءت الفكرة من حقائق ومتطلبات وضغوط الحياة اليومية، بدأ الناس يكتشفون أن مشروع النهضة ليس سوى كذب وادعاء، وأفكار وممارسات عشوائية وطائشة لا يمكن أن تقيم أود أمة أو أن تصلح أحوال الناس. فقد رأوا هرتلة الداعية محمد حسان حول استبدال المعونة الأمريكية بتبرعات تجمع من المواطنين الفقراء، ثم مشروع النظافة الذي افتتح به الرئيس المنتخب عهده والذي لم يكن سوى فكرة بدائية بلا تخطيط ولا دراسة ولا أمكانيات، وبدلا من تدفق المليارات الموعودة بدأ الرئيس حملة لجمع التبرعات من المصريين بالخارج.
ثم الإقتراض من قطر وصندوق النقد بفوائد ربوية، وكادت المائة يوم الأولى لانتخاب الرئيس تنقضي ولم يتحقق شيء من وعوده الإنتخابية، ولم يستخرج المشايخ من القرآن أية حلول عبقرية لأبسط مشاكل الناس، بل على العكس خرج نائب مرشد الإخوان لينفي وجود مشروع جاهز للنهضة، وبدأ الناس يقلبون وجوههم في السماء فلا يجدون أبوابا فتحت، ولا خيرات تدفقت.
وليس عندنا شك، أن الإسلاميين كما اختاروا السير على نهج الكنيسة فإنهم سيلاقون نفس النتائج والمصير، إلا أن المشكلة أنهم لن يجدوا أمامهم مفر من استخدام نفس تكتيكات الكنيسة للبقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة. فلقد كانت الكنيسة تقوم بتحميل رعاياها مسئولية كافة إخفاقاتها، بدعوى أن الفشل يحدث بسبب ما يرتكبونه من آثام ومعاصي تغضب الله فلا يكتب لسياساتها التوفيق. وكانت كلما زادت إخفاقاتها ازدادت تعسفا مع رعيتها لإحكام قبضتها وسلطتها عليهم، فكانت تتفنن في قهرهم وإجبارهم على الامتثال للأوامر والنواهي الدينية، وكانت تسحق المعارضين وتتهمهم بالهرطقة، وكانت تقوم بمطاردة أصحاب المذاهب والديانات الأخرى وطردهم من البلاد حتى تحقق النقاء الديني الذي يجلب رضى السماء وبركاتها.
إلا أنه قد غاب عن الإسلاميين أن ما كان يصلح للتطبيق في القرون الوسطى لا يصلح للتطبيق في القرن الواحد والعشرون نظرا لاختلاف طبيعة البشر وازدياد قدرتهم على التواصل والحركة ونقل المعلومات، واختلاف طبيعة المجتمعات، وتبلور مبادئ الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، لهذا فنحن على ثقة أن أيامهم في الحكم معدودة، ولكنها لن تمر بدون أثمان باهظة تدفعها جماهير الشعب المطحونة.