زهير دعيم
قرأتُ مرّة عن تلك المرأة التي كانت تجلس مع زوجها في كلّ صباح، ويرتشفان القهوة في شرفة بيتهما المُقفلة بالزُّجاح ، والمُطلّة على بيت الجيران.
وفي كلّ صباح كانت تلوك هذه الزوجة " سيمفونيّة " غسيل جارتها القذر وغير النظيف المُعلَّق قبالتهم.
وفي أحد الصباحات ، استغربت هذه الزّوجة قائلة لزوجها : " غريب أمر جارتنا اليوم يا زوجي العزيز ، فغسيلها اليوم يظهر أنّه نظيف !.
فابتسم الزّوج ابتسامة تحمل ألف معنى وقال :
" لتعلمي يا عزيزتي أنّني اليوم استيقظتُ باكرًا ونظّفْتُ أنا زجاج نوافذ شرفتنا !!.
معظمنا هكذا أو قُل بعضنا، ننتقدُ، وننقض أحيانًا..
ننتقد الغير ؛ الجيران ، الاقرباء ، البعيدين ، ولا نلتفت الى اخطائنا وهفواتنا وسقطاتنا ، وكأنّنا منزّهون عن الخطأ والخطيئة ، ناسين أو متناسين كلام السّماء الذي يقول:
" ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها
يا مرائيّ، أخرج أولا الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيّدًا أن تخرجَ القذى من عين أخيك"
حقيقة ، الأوْلى بنا ان نُنظّف كلّ واحد بيته وأمام بيته والأهمّ قلبه ، ويُخرج العود من عينه وعندئذ بمقدوره أن يرى جيّدًا ويقول لغيره : "إنّك أعور"
جميل ان ننتقد أحيانًا ولكن بمحبّة ، برفِق ، بايجابيّة وبنيّةٍ طيّبة، فالنقد البنّاء والهادف وغير المُبيَّت وغير المُتجنّي هو نقد جميل وضروري أحيانًا لننتج بيئةً صحيّةً واجتماعيّة تليق بالانسان الحضاريّ.
ولكنّ الخوف ليس من النقد الايجابيّ البنّاء والهادف ، بل من النقض والهدم لأجل الهدم لا البناء ، فهناك من يتجنّى ويفتعل ويخلق، ليدقّ اسافين الفُرقة والتشرذم والمشاكل . اولئك يجب أن نضع لهم "الحدّ على الزعرورة" ونغسل نوافذ قلوبهم بالمحبّة حتى يروا الحقّ والحقيقة كما هي ؛ يروْنها بعين السّماء.
فمن يعمل على هدم غيره لا يستبعد ان يجد معاول كثيرة تحفر أسس بيته ، وتعمل على هدمه من باب الحيطة والاحتياط وردّ " الجميل".
كم نحتاج في مجتمعنا الى الإطراء والتقريظ والكلمة الجميلة المادحة للغير ، فبمثل هذا الكلام الايجابيّ والصّادق نُرمّم الهمم الضعيفة ، ونسند النفوس المُحبَطة ، ونسير بموكب المجتمع نحو غدٍ أفضل.