طارق الشناوي
بين الحين والآخر أجد نفسى أمام ساحة القضاء، بسبب رأى كتبته، فى كل مرة أدخل المعركة بقلب جسور، لثقتى بأننى أعبر عن قناعتى، هذه المرة وجدت أن العديد من الزملاء يعلنون تأييدهم لى.
عام 2014 كتبت عمودًا عنوانه (وزير الانتقام)، انتقدت فيه د. جابر عصفور بعد عودته لكرسى الوزارة، بعد أن كان قد شغل نفس الموقع فى آخر وزارة شكلها حسنى مبارك برئاسة أحمد شفيق.
فارق ثلاث سنوات بين المنصبين كان كفيلًا بأن يجد عدد كبير من تلك الشخصيات التى أعلنت فى البداية ترحيبها بتعيينه وزيرًا، ثم انقلبوا عليه، كانت لقاءاتى قبل هذا التاريخ قليلة جدًّا مع د. جابر وكان الأقرب إليه جيل الثلاثى المتميز سمير فريد وعلى أبوشادى وكمال رمزى، وفوجئت بأن الوزير أقام دعوى. وأمام النيابة سألنى النائب لأنه لم يجد شيئًا يستحق التقاضى هل بينكما خصومة مسبقة؟ قلت: بالطبع لا، وتم إخلاء سبيلى، والتقط الخيط د. جابر فأعلن أنه لن يكمل الإجراءات واكتفى بإرسال شكوى لنقابة الصحفيين وأُغلق الملف. كان بداخلى إحساس بأن تلك اللقطة ليست الأخيرة، والتقينا صدفة فى أحد المؤتمرات وبذكاء لمح ترددى، وحطم هو بسخونة ودفء وخفة ظل حالة التردد، وأخذنى بالحضن والضحك، وانتهت رحلة الجفاء ولكن مع الأسف لم نلتق بعدها.
فى السنوات الأخيرة أتابع بدقة كبار الكتاب وأقرأ السطور وما بينها، ووجدت أن د. جابر عصفور لم يتراجع عن مبدئه بأن مصر دولة مدنية، كان يعلم أن هناك من يريد بهذا البلد- بعد أن فشل المخطط الاخوانى بإرادة شعبية- أن يتشبث ببقايا الأفكار الإخوانية، ولم يتراجع د. جابر عن الدخول فى معارك دفع قطعًا ثمنها.
فى عهد د. جابر كوزير أقر التصنيف العمرى للأفلام والذى يعنى أن (العصمة) بيد الجمهور، بالطبع لم يتحقق هذا الحلم على أرض الواقع، ولكنه وضعنا على بداية الطريق. د. جابر بتكوينه الليبرالى يناصر الإبداع، وفى عام 2004 فى زمن فاروق حسنى وكان هو رئيس المجلس الأعلى للثقافة ويتمتع بحب الأغلبية، ولهذا أطلق المثقفون على مقهى فى الدور الأرضى من المجلس الأعلى مقهى (عصفور)-
حدث موقفان فيلم (بحب السيما) لأسامة فوزى وفيلم (آلام المسيح ) لميل جيبسون.
الفيلم الثانى يتعارض مباشرة مع قرار فى الرقابة يمنع تجسيد الأنبياء، وسيدنا عيسى، عليه السلام، نبى فى القرآن، ولم يستطع الرقيب د. مدكور ثابت وقتها سوى الالتزام بقواعد الرقابة، وهو ما كان سيُحسب سياسيًّا ضد مصر، التى تصادر فيلمًا يوافق عليه الأقباط الذين يبيحون تجسيد المسيح، تدخل د. جابر باعتباره أمين عام المجلس الأعلى للثقافة وأجاز الفيلم على مسؤوليته، واكتشفنا أن عدد المحجبات اللاتى شاهدن الفيلم وانهمرت دموعهن تعاطفًا مع السيد المسيح هن الأغلبية، بينما فى (بحب السيما) شكل د. مدكور ثابت لجنة حرص على أن يكون أغلبية أعضائها يدينون بالمسيحية واعتقد أنهم سوف يوافقون على الشريط وفوجئ بالرفض، وبذكاء التقط جابر عمق الحكاية وزاد أعضاء اللجنة من الذين لديهم رؤية مستنيرة مثل د. يونان لبيب رزق، وحرص على أن تعبر عن كل الأطياف الدينية، وبإجماع الآراء، حتى الذين اعترضوا فى البداية أجازوا عرضه. كان د. جابر يجيد قراءة المثقفين فهو شيخ الحارة، وبرحيله سيظل مقعده شاغرًا ولن نجد شيخًا آخر!.
نقلا عن المصري اليوم