أمينة خيري
لسبب ما أرى أن ما هو أفدح من أن يسأل أحدهم إن كان يجوز الاحتفال برأس السنة الميلادية أم أنه حرام ورجس من عمل الشيطان، أن يجيب عالم الدين إجابة لا تحوى لومًا هادئًا للسائل على مجرد التفكير فى حرمانية مناسبة يعيش العالم كله بتوقيتها ولا تعبأ الغالبية المطلقة من مليارات البشر على ظهر الكوكب إن كان فلان يعتقد فى أن الاحتفاء بالسنة الميلادية يجوز أو لا يجوز. والغرض من اللوم المرجو ليس إخافة السائل أو ترهيبه، بل العكس هو الصحيح. الغرض هو إزالة طبقات الصدأ وتلال العطن التى تركناها تتكون على أمخاخنا منذ سبعينيات القرن الماضى. هذا اللوم أشبه بلوم الصديق لصديقه حين يسأله إن كان فى الإمكان أن يساعده، فيرد الصديق: «بقى ده سؤال؟!، طبعًا».
بالطبع نشعر جميعًا بنسمة الهواء العليلة التى تطل علينا هذا العام عبر تكاثر أشجار الميلاد ومظاهر الاحتفاء بعام مضى وآخر قادم. كما نشعر زيادة ملحوظة فى نسبة الأكسجين وتقلص واضح لثانى أكسيد الكربون. تحسن نوعية الهواء ناجم عن قول مباشر لرجال الدين الإسلامى بأن الإسلام لا يُحرم تهنئة المسيحيين برأس السنة الميلادية. ولكن أود هنا الإشارة إلى مفارقة غريبة عجيبة، ألَا وهى أن تفاصيل حياة الـ107 ملايين مصرى وتعاملات الـ107 ملايين مصرى مع العالم الخارجى وملياراته الـ7.75 مليار نسمة تنظمها السنة الميلادية التى يسأل بعضنا إن كان الاحتفاء بها حلالًا أم حرامًا!، وهنا أعود إلى جزئية لوم السائل الذى يسأل سؤالًا يعكس خيبتنا الثقيلة جدًا ومقاومتنا العنيفة جدًا جدًا لنفض غبار العصور الوسطى عن أمخاخنا. ولو كنت من الشيخ المسؤول لسألت السائل عن المصدر الذى جعله يشك فى أن الاحتفال برأس السنة حرام، أو أن التعايش مع غير المنتمين لدينه مكروه، أو أن التعامل مع غير المسلمين يُعرِّض الدين للخطر والمتدينين للزوال. معرفة المصادر- وهى كثيرة جدًّا- ربما يساعد الراغبين فعلًا لا قولًا فى تصحيح الفكر الدينى المهيمن على أمخاخ الكثيرين منّا. ولو كنت من عالِم الدين الجليل لأَنّبْت مَن يعتقد بأن التعامل أو الاحتفاء بغير المسلمين يُعرِّض الإسلام للخطر، فهذا الاعتقاد لا يعكس إلا قلة ثقة فى النفس والدين، فأى هشاشة تلك التى تُعرِّض منظومة دينية عمرها أكثر من 1443 عامًا للزوال لأن أحدهم صادَق غير مسلم أو جاوره أو اتخذه أخًا له؟!!، وأخشى ما أخشاه أن ينتهى مولد سيدى «هل الاحتفال برأس السنة الميلادية حرام؟» ليبدأ مولد «هل تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد المجيد حلال أم حرام؟». هشاشة الفكر وسطحية التدين تتخفى أحيانًا خلف طبقات عدة حتى تبدو للرائى كأنها تدين عظيم والتزام جبار. التدين ثقة فى النفس والدين، ومودة للآخرين، واحترام لنعمة الاختلاف، ويقين بأن الدين لله والكوكب للجميع، وعام سعيد وعيد ميلاد مجيد.
نقلا عن المصري اليوم