الأقباط متحدون - حتى لا يكون الدستور الجديد حبرا على ورق!
أخر تحديث ٠٤:٠٥ | الاثنين ١٠ سبتمبر ٢٠١٢ | ٥ نسيء ١٧٢٨ ش | العدد ٢٨٧٩ السنة السابعة
إغلاق تصغير

حتى لا يكون الدستور الجديد حبرا على ورق!

بقلم منير بشاى- لوس انجلوس
 
العمل فى مطبخ الدستور الجديد يسير على قدم وساق، والسرية هى السمة الغالبة لما يحدث وراء الأبواب المغلقة.  والشعب المصرى، الذى هو معنى بهذا كله، لم يعلن عن رأيه فيما يتم اعداده عن دستوره، بل ولم يسأل أحد عن رأيه.  قيل ان الشعب سيعطى الفرصة فى النهاية لمناقشة ما تم عمله ثم سيتاح له التصويت عليه.  وظنى انه عندما يحدث هذا سيكون الوقت متأخرا لمناقشة جادة وغالبا سيكون ما يحدث هو مجرد ابلاغ بما تم التوصل له، ثم يستفتى عليه.  هذا مثل أن تضع أمام انسان جائع وجبة من الطعام، ثم تساله: هل تقبل ما أعددناه لك أم تفضل ان تستمر فى الجوع؟

ولكن من القليل الذى تسرب نستطيع ان نعرف شيئا عما يجرى داخل لجنة اعداد الدستور.  عرفنا انه تم اقتراح اضافة مواد بعضها جميل وبعضها مزعج، وعرفنا عن مناقشات لتغيير بعض نصوص مواد الدستور القديم، واستعمال اصطلاحات دينية لاضفاء صبغة دينية عليها لخدمة تيار بالذات ، وهذا أيضا مزعج.
وفى النهاية سيأتى دور ترزية الدستور لوضع كل هذه التوصيات فى القالب الذى يساعد على تسويقها للشعب المصرى الذى لا حول له ولا قوة، والذى يعانى من الأمية التعليمية، والامية الثقافية والحاجة الى لقمة العيش، والتواكل الدينى، والذى تمت برمجته على ان المتدينين الجدد الجالسين الآن على كرسى الحكم هم أناس "بتوع ربنا" و "سيحملوا الخير لمصر"

الدستور هو عقد اجتماعى بين النظام والشعب يحدد الخطوط الرئيسية لما ارتضاه الشعب من مبادىء تحدد نظام الحكم.  ولذلك فهى وثيقة غاية فى الأهمية لأنها الأساس الذى يقوم عليه بنيان الدولة كله.  ولكن مهما كان الدستور جميلا ومهما كانت روعة النصوص التى يتضمنها، فان هذه كلها تصبح حبرا على ورق ان لم يكن يتوفر فيها عنصر هام وهو حسن النية.  بمعنى ان تكون هناك النية الصادقة لتفعيل مواد الدستور فتكون فعلا أساس الحكم وليس مجرد كلام انشائى نتباهى به أمام العالم بينما لا نطبق منه شيئا.

من حقنا ان نكون حذرين ونفترض سوء النية قبل حسن النية فى هذه الأمر فخبرتنا السابقة فى الدستور القديم قد أوصلتنا الى هذه الحالة.  لقد كان هناك فى الدستور السابق فجوة كبيرة بين الكلام الذى يطرب الآذان والأعمال التى تشمئز من منظرها العيون. وعلى سبيل المثال فانه فى الدستور القديم، بالاضافة الى المواد التى لا يختلف عليها اثنان، هناك بعض المواد التى وضعت لترضية الأقلية غير المسلمة، ولكن بطريقة ما تم تفريغها من مفعولها فأصبحت مجرد منظر لا تعنى شيئا.  وفى المقابل هناك مواد وضعت لترضية التيار الاسلامى، ولكن للتخفيف من وقعها المزعج على غير المسلمين تم تغطيتها بحيث لا تستطيع أن ترى حقيقة معناها، بينما مفعولها ساريا.
 
نصوص جيدة تم تفريغ مفعولها
        بعد ادراج البند الخاص بالشريعة الاسلامية فى الدستور حدث انزعاج من الأقليات القبطية المسيحية.  وفى محاولة لطمأنة هذه الأقلية ابتكرت الدولة البند الأول الذى ينص على تساوى المواطنين جميعا فى المواطنة.  وينص البند على أن "مصر دولة ديمقراطية تقوم على أساس المواطنة".  وقيل لنا ان البند الأول سيطغى على كل ما بعده.  ولكن تيقنا بعد ذلك ان هذا البند كان مجرد ديكور وأن جميع أنواع الاضطهاد التى عانى منها الاقباط قد حدثت فى ظل هذا البند.  بالمثل كانت هناك أيضا مبادىء أخرى موجودة ولكن غير مفعلة بالتساوى بين جميع المواطنين مثل المادة السابعة التى تقول ان جميع المواطنين سواء أمام القانون والمادة الثامنة التى تقول ان الحرية الشخصية حق طبيعى لا يمس لجميع المواطنين.  وفى الدستور الجديد هناك اقتراح باضافة بند يقول ان الكرامة الانسانية حق أصيل لكل مواطن، فهل هذا النص سيكون مفعلا لكل مواطن وفى كل الأحوال أم سيصبح مجرد شعار أجوف مثل بقية الشعارات؟
 
نصوص رديئة تم تغطية معناها
          المثال لذلك هو المادة الثانية التى تنص على ان مبادىء الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع والتى كانت وما تزال المصدر الرئيسى لمشاكل غير المسلمين فى مصر.  وكان الحكام يستخدمونها لمغازلة التيار الاسلامى ليرضى عنهم.  والمعروف ان التعديل الذى أضاف الألف واللام لكلمة "مصدر" كان بواسطة السادات كمقايضة للحصول على تمديد لحكمه.
          عندما اشتكى الأقباط من هذه المادة التى تضع مقدراتهم تحت رحمة شريعة لا يؤمنون بها، بل تحط من شأنهم،  قيل لهم ان يطمئنوا فان هذه المادة تتكلم عن "مبادىء" الشريعة وليس أحكام الشريعة.  والمبادىء لا تختلف كثيرا بين الأديان.  ولكن سرعان ما تبين ان كلمة مبادىء لم تغير كثيرا فى الأمر.
          بناء على هذا النص وجدنا قضاة يحكمون بالشريعة رغم ان الدستور كتب للمشرع وليس القاضى.  ففى ظل هذا البند كان القضاة يطلقون سراح القاتل المسلم لقبطى أو يعطونه عقوبة سجن صغيرة على أساس مبدأ الشريعة الذى ينص انه لا يقتل مسلم بكافر.
          وبناء على هذا النص رأينا اصرار الدولة على خلو وظائف كثيرة من عنصر الأقباط لأنها وظائف أمنية حساسة لا يستأمن عليها غير المسلم.  ورأينا الحظر على التعيينات فى الوظائف العليا لأن الشريعة تقضى بعدم جواز ولاية غير المسلم على المسلم.
          وبناء على هذا النص وجدنا المشاكل التى يواجهها الأقباط فى بناء الكنائس لأن المذاهب الاسلامية الأربعة تحظر بناء الكنائس الجديدة فى ديار الاسلام.
          الآن، وبعد الثورة، لم يتحسن الوضع بل ازداد سوءا.  فأخونة الدولة تتم بسرعة رهيبة.  وهذا معناه مزيد من تطبيق الشريعة، ومزيد من معاناة المسيجيين.  فقد أخرج الرئيس مرسى العديد من لأخوان والاسلاميين  المحكوم عليهم فى قضايا الارهاب.  وكان الاسلاميون هم العنصر الغالب فى التعيينات سواء فى المجلس الأعلى للصحافة أو المجلس القومى لحقوق الانسان أو المحافظين، أو المجلس الرئاسى، أو مجلس الوزراء حيث حصل الأقباط على وزارة يتيمة من مجموع 35 وهى وزارة الدولة لشئون البحث العلمى (وزارة بدون حقيبة وزارية) وفى بلد لم يدخل مجال البحث العلمى بعد.  أما وعود د. مرسى أثناء الحملة الانتخابية بتعيين نائب رئيس قبطى فقد نساه أو تناساه.
          خلاصة القول، لقد شبع الأقباط من الكلام المعسول، عن المواطنة،والنسيج الواحد، و"لهم ما لنا وعليهم ما علينا" و "لكم دينكم ولى دين"..الخ   والآن، أكتبوا ما شئتم من دساتير، وجملوها بأحلى الكلام،  فان لم يكن هناك النية الصادقة لتفعيلها فستظل كلمات جوفاء لا تساوى ثمن الورق والحبر الذى كتبت به.  من الآن فصاعدا لن يغشنا كلامكم، وعليكم ان تثبتوا لنا حسن نواياكم، والمحك الوحيد لذلك هو برهان الأعمال.
Mounir.bishay@sbcglobal.net
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter