مع اقتراب أعياد الميلاد واحتفالات رأس السنة، ترتبط تلك الفترة بشخصية "بابا نويل" وشجرة الميلاد. فما الفرق بين "بابا نويل" الغربي ونظيره الروسي "الجد صقيع"؟
بابا نويل أو "سانتا كلوز" شخصية خيالية مرتبطة بأعياد الميلاد، تعرف بأنها لرجل عجوز ذي لحية طويلة ناصعة البياض، وهو سعيد دائماً وضحوك غالباً، يرتدي سترة حمراء، ذات أطراف بيضاء. يقولون للأطفال إنه يعيش في القطب الشمالي، وبعض الأقزام يصنعون له هدايا الميلاد، وتجر الأيائل مزلاجته السحرية، وخلفها الهدايا التي يتم توزيعها على الأطفال أثناء هبوطه من مداخن المدافئ أو من النوافذ المفتوحة أو حتى من شقوق الأبواب الصغيرة.
تعود الأسطورة إلى أن تبادل الهدايا كان شائعاً في بعض مناطق الإمبراطورية الرومانية نهاية العام الميلادي، أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول كجزء من طقوس دينية، إلا أن الكنيسة الكاثوليكية حظرت تبادل الهدايا في القرون الأولى والوسطى بسبب أصولها الوثنية، ثم عاد وانتشر ذلك التقليد بداعي الارتباط بالقديس نقولا (نيكولاس) "شفيع البحارة" من القرن الثالث الميلادي، والذي كان يوزع المال والأيقونات على المحتاجين متخفياً بالليل، بالتزامن مع عيد الميلاد، دون أن تعرف العائلات من فاعل الخير هذا.
تحمل النسخة الروسية من "بابا نويل" اسم "ديد موروز" أو الجد/العجوز "صقيع" (حيث تعني كلمة "موروز" بالروسية "صقيع")، ويعرف باسم "موروز إيفانوفيتش" منذ عام 1840، وقد التصقت صورة الجد "صقيع" برأس السنة وليس بالأعياد المسيحية في الثلاثينيات من القرن الماضي إبان العهد السوفيتي، بعد عدة سنوات من الحظر، حيث سمح لشجرة الميلاد بالظهور مرة أخرى.
وتعود النماذج الأولية للجد "صقيع" إلى أصول فولكلورية سلافية، حيث يبدو كرجل عجوز يرتدي معطفاً ملوناً (باللون الأزرق أو الأحمر أو الأبيض من الفراء)، وله كذلك لحية بيضاء طويلة، ويحمل عصا في يده، ويرتدي حذاءً من اللباد، وتجر ثلاثة خيول مزلاجته.
يأتي الجد "صقيع" الروسي مع حفيدته "سنيغوروتشكا" (عروس الثلج)، وفي حقبة الاتحاد السوفيتي كان يصحبه كذلك صبي يرتدي معطفاً من الفراء الأحمر وقبعة، وغالباً ما يحمل أحدهم رقم السنة الجديدة، ثم اختفى ذلك التقليد وتلاشى مع الزمن.
لقد جسّد السلافيون الصقيع في شخصية إنسان، على هيئة رجل عجوز قصير ذي لحية رمادية طويلة، يركض في الحقول، ويتسبب في الصقيع الممتد، ويأتي بألقاب عدة من بينها "تريسكونيتس" أو "ستودينيتس"، ويحمل كل صفات البطل الخيالي. ومن وجهة نظر المزارع السلافي، يرتبط رحيل الصقيع بحصاد جيد في المستقبل، ويحكم على ذلك من صقيع الميلاد، وصقيع عيد الغطاس، لذلك كان من المعتاد أداء طقوس "نقر الصقيع"، ودعوة الجد صقيع لتناول وجبة وطعام طقسي من الفطائر والنبيذ، واستدعاء أرواح الأسلاف الراحلين، وترك الطعام المجمّد على النافذة أو الشرفة، ليطلبوا منه ألا يأتي في الصيف فيفسد المحصول.
أما الجد "صقيع" الموازي لـ "بابا نويل" فقد دخل إلى التقاليد الأدبية الروسية عام 1840، بنشر مجموعة القصص الخيالية "حكاية الجد إيريناوس" بقلم الكاتب والفيلسوف الروسي، فلاديمير أودويفسكي (1803-1869)، والتي تضمنت حكاية خيالية عن العجوز "موروز إيفانوفيتش"، والتي قدمت للمرة الأولى تفسيراً أدبياً لصورة الفولكلور وطقوس تجسيد الصقيع في صورة آدمية بروسيا الوثنية.
كانت الصورة التي رسمها أودويفسكي لا تشبه إلى حد بعيد شخصية "بابا نويل" المعروفة، ولا تقتصر بربطه بالتقويم الخاص بأعياد الميلاد أو رأس السنة، بل كذلك في الربيع. فكان موروز إيفانوفيتش يعيش في بلد جليدي، يفتح المدخل إليه من خلال بئر، ولم يكن يأتي للأطفال، وإنما كان الأطفال هم من يأتون إليه، ولا يقدم هدايا في موعد ما، على الرغم من أنه كان يكافئ على العمل الجيد بسخاء.
لفترة طويلة، ظل موروز إيفانوفيتش وشجرة رأس السنة منفصلين، حتى تم توحيدهما في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما ظهرت محاولات في بيئة المدن الروسية الكبيرة لاختراع "بابا نويل" خاص بروسيا، يقدم الهدايا للأطفال الروس، فتمت الإشارة إلى "العجوز روبريخت" 1860 (ويتضح من الاسم الأصل الألماني)، أو "الجد نيكولاي"، 1870، في عهد ألكسندر الثاني. وهي محاولات متفرقة لم تتجذر في الثقافة الروسية.
في عام 1886، احتفل بطقس "موروزكا" للمرة الأولى، وفي الثمانينيات من القرن التاسع عشر ترسّخت صورة الجد "صقيع"، الذي يعطي الهدايا للأطفال، وفي مذكراته، كتب المعلم والكاتب الديني سيرغي دوريلين (1886-1954) عن مذكراته في الطفولة، نهاية القرن التاسع عشر، والتي كتبت ما بين (1924-1932)، أن "الجد (صقيع) كان يجيء بشجرة عيد الميلاد". ومع بداية القرن العشرين كانت الصورة المألوفة للجد "صقيع" الروسي الموازي لـ "بابا نويل" قد تشكلت بالفعل، وكتبت عنها الأعمال الأدبية، كما ترسخت في وعي الأطفال والكبار على حد سواء.