د. أحمد الخميسي
يلوح مؤخرا في الساحة الدولية شبح الحرب بين روسيا وأكرانيا، وتحذر أجهزة المخابرات الغربية من أن تلك الحرب إذا وقعت " ستكون على نطاق لم تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الأخيرة"، لأنها ستجر إليها أطرافا كثيرة غير روسيا وأكرانيا. وبطبيعة الحال فليس للمنطقة العربية ناقة ولا جمل في صراع المنافسة الاقتصادية ومد النفوذ بين حلف الناتو وروسيا، وعلى العكس من ذلك فإن الحرب ستؤدي بالنسبة لمصر على الأقل إلى توقف أو تأجيل عدة مشروعات مثل المنطقة الصناعية الروسية في قناة السويس الجديدة، وستفضي بالحتم إلى تدهور حجم التبادل التجاري مع روسيا الذي بلغ أكثر من سبعة مليارات دولار عام 2018 حتى أن مصر أمست الشريك التجاري الأول لروسيا بنسبة 85 % من حجم التجارة مع أفريقيا مع ارتفاع قيمة الصادرات المصرية إلى نحو نصف مليار دولار، كما ستعرقل الحرب مواصلة العمل في محطة الضبعة النووية، وأخيرا فإنها ستوقف حركة السياح الروس التي تدر على القطاع السياحي نحو ثلاثة مليارات دولار سنويا. وعلى إيقاع طبول الحرب التي تقرع، تؤكد أجهزة المخابرات الغربية أن روسيا حشدت قرب حدودها مع أكرانيا نحو مئة ألف جندي مع الدبابات والمدفعية، أما أكرانيا فإنها لا تكف عن اطلاق صيحات الاستغاثة بحلف الناتو الذي تحاول الانضمام إليه. ولا يخفى على أحد أن الصراع بين حلف الناتو وروسيا قد اشتد منذ تفكيك الاتحاد السوفيتي عام 1991 والمساعي التي بذلها الحلف للسيطرة على الدول التي تطوق روسيا بحدود مشتركة، خاصة أوكرانيا. وقد وجد الحلف سببا للصراع يتجسد في موضوع " شبه جزيرة القرم" التي استعادتها روسيا من أوكرانيا عام 2014، وهي جزيرة روسية أصلا، خاضت روسيا من أجلها حربا مع تركيا لثلاث سنوات ما بين 1853 و1856، واستقرت الجزيرة تابعة لروسيا خلال حكم القيصرة كاثرين عام 1783، وبعد تأسيس الاتحاد السوفيتي قام نكيتا خروشوف عام 1954 بوضع القرم في خريطة أوكرانيا على أساس تعديل الحدود داخل دولة سوفيتية واحدة، ومع تفكيك الدولة عام 1991 واستقلال أوكرانيا وغيرها، بدأ الصراع حول شبه الجزيرة، إلى أن استعادتها موسكو عام 2014. الاتهامات التي يويوجهها الغرب الى روسيا أنها تهدد أوكرانيا بالغزو، وأنها تدعم الانفصاليين الأوكرانيي في الدونباس، أما روسيا فترى وتطالب الناتو بوضوح بوقف مناوراته العسكرية المشتركة مع أوكرانيا على حدودها، والكف عن اقامة بنية تحتية للناتو هناك، وعدم نشر قواته العسكرية. ويرد الناتو بأن ما يربطه بأوكرانيا مجرد " تحالف دفاعي لا يمثل تهديدا لروسيا"! أخيرا ربما تجدر الإشارة إلى أن الشعبين الروسي والأوكراني من عرق وأصل سلافي واحد، وأن اللغة في روسيا وأوكرانيا فرعان من اللغة السلافية، قريبان جدا علاوة على التاريخ الطويل المشترك على صعيد الثقافة والأدب والدين، بل إن العاصمة الأوكرانية الحالية كييف، كانت مهد أول حكومة روسية سميت " كيفسكايا روس" التي ظلت قائمة حتى عام 1240 م، ولهذا لم يكن مستغربا أن يظهر في أوكرانيا حزب الكتلة الروسية عام 2001 ومحور عمله الدعوة إلى دمج الدولتين في دولة سلافية واحدة. ورغم أن طبول الحرب تدق في أكثر من مكان إلا أن الأرجح أن يكون ذلك تصعيدا للضغوط لا يصل إلى درجة حرب سيخسر فيها الجميع الكثير سواء في أوروبا أو روسيا.