الأقباط متحدون - الــخــوف ج - 1
أخر تحديث ١٨:٢٨ | السبت ٨ سبتمبر ٢٠١٢ | ٣ نسيء ١٧٢٨ ش | العدد ٢٨٧٧ السنة السابعة
إغلاق تصغير

الــخــوف ج - 1


 بقلم : أنطوني ولسن /أستراليا

 
   الخوف عدو الأنسان الأول . ظهر على آدم عندما أخطأ وأخذ التفاحة من حواء .وعندما شعر بخطأه ، خاف من الله واختبأ ولم يستطع ان يقول الحقيقة ويعترف ، بل ألقى باللائمة على حواء . فدفع ثمن الخوف .
 
   هذا عن آدم . فما بالنا عن البشرية كلها منذ آدم الى آخر انسان على الأرض . لقد فعل الخوف في الأنسان أشياء كثيرة . ودفع الأنسان دائما ثمن الخوف . دفع حريته .. فقد كرامته وعزته . كل من سيطر عليه الخوف.. شل الخوف تفكيره . وإذا شُل التفكير . يصير صاحبه أشبه بالمخدر ، إنسان واقع تحت تأثير مخدر لا يدري ماذا يفعل أو ما هو مصيره وقدره .
 
   الشعوب على مر العصور والدهور اذا خافت تسلط الحكام عليها ، وأذاقوها المر والهوان . واذا وجد من يبدد هذا الخوف ويبعده عن هذه الشعوب ، قامت وحطمت وأخذت حقوقها بقوة ايمانها لأن هذه الحقوق كانت مغتصبة وأنهم لا يخافون ردات فعل ما قد يترتب على صحوتهم والإصرار على إعادة حقوقهم المسلوبة .
 
   الثورة الفرنسية قامت وحطمت الملكية وبطشها وبطش الأمراء . نجحت في جعل الشعب الفرنسي يقبض على زمام أمره بنفسه . لكن انتابهم الخوف مرة أخرى . هذه المرة ليس من الحاكم ولكنه الخوف من ضياع السلطة منهم .فماذا فعل بهم هذا الخوف ؟ 
 
   لقد ضيع الخوف وحدتهم ، فصاروا أعداء بعضهم البعض ويكيد كل منهم للآخر ليزيحه من طريقه . فأكلت الثورة الفرنسية نفسها . لو لم يقم نابليون بونابرت بمسك سدة الحكم دون خوف . ما حقق الشعب الفرنسي لنفسه شيئا .وما أصبحت الثورة الفرنسية مثالا يحتذي به كل شعب سُلبت منه حقوقه .
 
   مصر أيضا عاشت على مر العصور فترات خوف عصيبة. أيام الرومان .. بعد الرومان .. أيام الحكم العثماني . كذلك أيام حكم أسرة محمد على . حقيقة الشعب المصري قبل ثورة 1952 لم يكن خائفا من فاروق ، ولا من الأنجليز. والدليل على ذلك قائمة من ضحوا بأنفسهم في سبيل الحرية والأستقلال . وكان ثمرة هذه التضحية هؤلاء الفتية الذين فجروا الثورة وقاموا بطرد الملك واستلام امور البلاد . فسلم لهم الشعب بكل شيء ، لأنهم فلذات اكبادهم ، لا هم من سلالة أسرة محمد على ، ولا هم من أبناء الخونة ، ولا هم يحكمون تحت سيطرة الأستعمار .
 
   هؤلاء الفتية بدأوا يتذوقون طعم السلطة .وخافوا .. نعم خافوا على فقدانها . فعملوا جميعا ودون إستثناء ، على التمسك بالحكم وعدم التخلي عن الكراسي التي يجلسون عليها . وبدأت يد الظلم تضرب الشعب المسكين .الشعب الذي كان في الماضي يظن أنه مجبر على قبول هذا لأن من يحكموه ليسوا بأبنائه.أما الأن بعد التخلص من كل هذا ، أصابه ما أصابه من أبنائه الذين حكموه . انقسم الأنسان منا الى شقين داخل نفسه . شق يصدق ، وشق لا يصدق الى أن يقع في تجربة الهوان . كل هذا والشعب يعيش على أمل . الى أن جاءت النكسة الكبرى عام 1967 . 
 
   بدأنا نسمع قبل النكسة بأننا على أتم الأستعداد للتصدي لأسرائيل . بدأنا نردد بقدرتنا على القاء اسرائيل والجيش الأسرائيلي في البحر . طالبنا عدم بقاء قوات الطواريء في شرم الشيخ . لم نكن نعرف شيئا عن هذه القوة وحقيقة وجودها على أرض مصرية . بل الأدهى من هذا حقيقة عبور السفن الأسرائيلية عبر خليج العقبة الى ميناء ايلات . خاف المسؤولون أن يقولوا للقائد اننا لسنا على استعداد للحرب فلا داعي لسحب قوات الطواريء الدولية الموجودة والتي يعلم عنها القائد والحكام , ولا يعرف عنها شيئا الشعب الذي ظن انه يحكم بأبنائه المخلصين . وخاف القائد أن يقول الحقيقة للشعب المصري وشعوب المنطقة . فماذا كانت النتيجة ؟
 
   كلنا يعرف النتيجة والعالم أيضا يعرف . لكن ما الذي أوصلنا لتلك النتيجة هو المهم . برأي المتواضع أن الذي أوصلنا لتلك النتيجة وإلى يومنا هذا شيء واحد هو الخوف .. نعم الخوف .
 
   لن أعود إلى تاريخ مصر القديم ولكن سأبدأ بعصر محمد علي باشا الذي استطاع أن يحكم مصر رغم أنف الخليفة العثماني والمماليك الذين كانوا يشكلون خوفا حقيقيا على توليه حكم مصر . لأنه لم يعبأ بالخليفة العثماني . فماذا فعل محمد على باشا بالمماليك ؟
 
   التاريخ يقول لنا أنه دعاهم لمأدبة عشاء في القلعة وبعد أن إطمئن لوجودهم الكامل بدأ ما عرف بأسم مذبحة القلعة  فأبادهم عن بكرة أبيهم ماعدا واحد قفز بحصانه وهرب الى الصعيد . فارتاح وبدد خوفه بمذبحة كانت وصمة عار في جبينه على الرغم من أنه صاحب فضل مصر الحديثة . لكن الخوف .. هو الذي دفعه لذلك .
 
   الخوف وعبد الناصر ...
 
     بعد أن تم لعبد الناصر تولي أمور البلاد كاملة بدأ حلفاؤه الأخوان المسلمين بالمطالبة بالمشاركة في الحكم فهم من ساندوه ومهدوا له الطريق ليقوم بإنقلابه مع رفاقه فلهم الحق في المشاركة الفعلية في الحكم . لكن عبد الناصر مثل " الفريك " لا يحب أن يشاركه أحد فأنتهز حادثة المنشية بعد عام من إزاحته اللواء محمد نجيب واستفراده بالحكم وقبض على الأخوان وأنهى تنظيماتهم ظانا أنه بفعلته سيقضي عليهم ويقضي على الخوف من مشاركته إدارة شئون البلاد . لكنه أخطأ فلم يكن بالصياد الماهر . لأن الصياد الماهر عندما يصطاد فريسته إن لم يقضي عليها ستطارده وتقضي عليه . وهذا ما حدث فقد ظن أنه بتعذيبهم وإعتقالهم وقتل البعض منهم سيخلو له الجو ولا شيء يخيفه . أما الحقيقة فقد حدث العكس تماما فقد زادت شوكتهم وتفرع من فكرهم فروع عدة داخل المعتقلات وتم تكوين جماعات إرهابية أكثر شراسة منهم .
 
   الخوف  والسادات ...
 
   كلنا نعرف أن الرئيس السادات كان مثل عبد الناصر وأخرين من تنظيم الضباط الأحرارالذين قاموا بالأنقلاب الشهير وأصبح لهم الحكم والسيادة والعلاقة الوطيدة التي كانت بينهم وبين  جماعة الأخوان المسلمين. ونعرف أيضا أنه " الرئيس السادات " لم يكن على وفاق مع سياسة عبد الناصر وأسلوبه في إدارة شؤون البلاد وخاصة بعد نكسة 1967 . لذا عندما شاهدته وهو ينحني للتمثال النصفي لعبد الناصر الموضوع في مدخل المجلس إنتفضت صارخا .. هذا محطم التمثال . وأعتقد أن هذا ما حدث بالفعل فقد سار على عكس نهج عبد الناصر .
 
   ورث الرئيس السادات إرثا مليئا بالتحديات . اسرائيل لم تقبل أي تفاوضات من أجل السلام . الشعب المصري يعاني من هزيمة لم يكن له يد فيها ويطالب بالأخذ بالثأر . رفض الأتحاد السوفيتي تمويل مصر بالأسلحة الهجومية والدفاعية أيضا .لا شك أن الميزانية المصرية لم تكن تكفي لكل هذه المتطلبات . لكن شغله الشاغل كان تلبية رغبة الشعب في الثأر من الصهاينة وإستعادت الأراضي التي إحتلتها إسرائيل فلم يجد غير التوجه إلى السعودية للعمرة والدعاء الى الله أن ينقذه مما هو فيه .في السعودية دخل يصلي داخل الكعبة وطلب أن يكون وحده . طال وجوده مما أقلق ملك السعودية ومن كان معه فدخل ليطمئن عليه فوجده رافعا يداه الى السماء يطلب من الله العون ويهديه إلى الطريق الصحيح لإسترجاع الأراضي التي إحتلتها إسرائيل . ويبدو أن الله قد إستجاب له فقد مد الملك يد العون لشراء ما تحتاجه مصر من أسلحة وخلافة . بالفعل تحققت المعجزة وحاربت مصر وبقية القصة معروفة للقاصي والداني واستعدنا سيناء بعد أن أعلن السادات توقف القتال وبدء المفاوضات المصرية الأسرائيلية والتي إنتهت بمعاهدة كامب ديفيد مما أغضب العرب والمسلمين.
 
   بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل ، وجد السادات نفسه في مواجهة أخرى . مواجهة العرب والأمة الأسلامية . دافع عن نفسه بإعلانه أنه رئيس مسلم لدولة مسلمة . وقام بإطلاق الجماعات الأسلامية التي تكونت داخل السجون والمعتقلات وسمح بالعودة للجماعات التي بالخارج معللا ذلك أنهم " أي الجماعات الأسلامية " ستقوم بالتصدي للشيوعيين في مصر .
 
وللحديث بقية إنشاء الله …     

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع