«الطبيب الألمانى بكى، واعتذر لى بالنيابة عن كل أطباء العالم، بسبب ما تعرضت له من خطأ طبي»، كانت هذه كلمات الإعلامية إيمان الحصرى في أول ظهور لها، بعد غيابها أكثر من 8 أشهر بسبب تعرضها لوعكة صحية شديدة نتيجة «خطأ طبى».
تسبب في أذى للأمعاء والقولون، وتدهورت حالتها سريعًا، استوجبت 7 عمليات جراحية خلال 21 يومًا، وحسب قولها فإن المُضاعفات أيضًا تم التعامل معها بطريقة «كارثية»، وصفتها بـ«المهزلة»، مما اضطرها للسفر إلى ألمانيا، ووصف الطبيب المعالج حالتها هناك بأنه توجد أشياء غير منطقية في شخص تدمر حياته بسبب خطأ ما حدث، وتمت معالجته بخطأ أكبر.
هذه الواقعة تفتح التساؤلات مجددا حول الأخطاء الطبية، ومن المسؤول عنها، ونسب حدوثها، والفارق بينها وبين المضاعفات التي من الوارد حدوثها عقب العمليات الجراحية الكبرى، تساؤلات طرحها «صحتك بالدنيا» على المتخصصين لمعرفة رأيهم في هذا الشأن.
الدكتور خالد سمير، أستاذ جراحة القلب بطب عين شمس، أبدى انزعاجه من التناول الإعلامى لتلك القضية، قائلا: بينما تُسمى مشاكل الممارسة الطبية في كل بلاد العالم، نجد هنا يُسميها الإعلام المصرى (أخطاء الأطباء) أو (مسلسل إهمال الأطباء)، وعرّف المسؤولية الطبية بأنها نتائج غير مقبولة من المريض أو ذويه، والتى تتعلق بحدوث وفاة، أو طول فترة العلاج، أو حدوث مضاعفات، أو عجز كلى أو جزئى.
وبسؤاله حول من يتحمل المسؤولية الطبية حالة وقوع الخطأ، قال: «الموضوع معقد ويعتمد على أطراف عديدة، مكان تقديم الخدمة مسؤول عن اختيار أعضاء الفريق الطبى والتأكد من شهاداتهم وتدريبهم وكذلك وضع جداول العمل وتوفير الأجهزة وصيانتها والتعقيم، ثم أعضاء الفريق الطبى من أطباء وتمريض وصيادلة وفنيين وعمال كل في مدى مسؤوليته».
ولم يستثن أستاذ القلب المريض من المسؤولية، بل يرى أنه أيضًا يقع عليه جزء بالتزامه بالنظام العلاجى، والامتناع عن كل ما منعه الطبيب كالتدخين، وبعض الأغذية، والتوتر، والمجهود وغيرها، وحتى أهل المريض عليهم مسؤولية باحترام نظام العزل، والزيارة، تعليمات الأطباء لمنع نقل العدوى وغيرها.
وأكمل: يتم فرض التأمين ضد مخاطر المسؤولية الطبية وتخصيص محاكم لتحديد نسب المسؤولية والتعويضات ولا يمكن حبس طبيب لأنه حاول مساعدة مريض على الشفاء، ثم لم يتحقق الشفاء، لأن الطب مهنة عناية وليست مهنة ضمان تحقيق الغاية».
وأضاف: غادر أكثر من نصف الأطباء المصريين مصر للعمل بالخارج قائلا: «سافروا هربا من ظروف العمل السيئة بل وهناك دول تعتمد في نظامها الصحى على الطبيب المصرى بصورة كبيرة مثل السعودية وقطر والكويت، وكذلك أصبح الأطباء المصريون يعملون بأعداد كبيرة في الغرب في بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة وأستراليا ويحققون نجاحات باهرة ويصنفون في أفضل المستويات الطبية، عكس الصورة التي ترسم للطبيب المصرى داخل مصر».
وصنف أستاذ أمراض القلب المسؤولية الطبية لأنواع وعقوباتها في دول العالم، من ضمنها جرائم يعاقب عليها القانون كالعمل دون ترخيص، أو خارج حدود التخصص أو الترخيص أو الإجهاض غير القانونى وختان الإناث والاتجار بالأعضاء. عقوبة هذه الجرائم في كل بلاد العالم السجن، وإلغاء ترخيص ممارسة المهنة.
وحول المضاعفات التي قد تحدث نتيجة المرض أو العلاج أو الجراحة وقال: «معروف نسبها ومكتوبة ومسجلة في مراجع الطب والدوريات العالمية، ولا يمكن تجنب حدوثها بالنسب المعروفة، وهى لا تمثل مشكلة إلا إذا زادت نسبة حدوثها بشكل كبير، وهناك الأخطاء، التي تحدث نتيجة حدوث مشكلة في الأجهزة، أو الكهرباء، أو العامل البشرى، أو التعقيم، أو الأدوية، رغم اتخاذ الإجراءات المتعارف عليها علميًا، مشيرا إلى أنه في كل دول العالم يُغطى التأمين ضد مخاطر الممارسة الطبية هذه الأخطاء، ويتم تعويض المريض تبعًا لنسبة العجز التي تسبب فيها الخطأ».
وتطرق إلى «الإهمال المتعمد» وقال إنه يتلخص في ترك مكان العمل في الطوارئ، أو عدم اتخاذ إجراءات أساسية مطلوبة، ونتج عن ذلك عجز أو وفاة للمريض، وعقوبته إلغاء الترخيص والتعويض. وذكر أن العام الماضى تم إعلان حدوث 300 ألف حالة وفاة، كان من الممكن تجنبها في المستشفيات الأمريكية خلال عام واحد، ولم يوجه اتهام لأحد، واختتم حديثه قائلًا: «الأطباء هُنا عادةً يكونون كبش فداء أمام تدنى الخدمات الصحية».
وقالت الدكتورة رانيا العيسوى، وكيل نقابة الأطباء، مقرر اللجنة العلمية، إنه لا توجد إحصائية يعتد بها عن نسبة حدوث الأخطاء الطبية في مصر، ومعظمها أخطاء تتعلق بالوصف العلاجى الخاطئ.
وأضافت: الطبيب المصرى من أكفأ الأطباء بشهادة معظم البلاد العربية والأجنبية ومن أولى الجنسيات المطلوبة للعمل في المجال الطبى في البلاد التي تعانى من نقص الأطباء، ولديه القدرة على علاج أصعب الحالات وأندرها بأقل الإمكانيات وتحت أصعب الظروف.
وتابعت: أكثر من 80% من الأخطاء الطبية يُمكن التعامل معها، ودرء ضررها عن المريض إذا التزم المريض بالمتابعة وامتثل للعلاج بالتدخل في الوقت المناسب.
وعن لجوء البعض للعلاج في الخارج، أكدت وكيل نقابة الأطباء أن مصر من أفضل الدول في تقديم الخدمة الصحية في القطاع الخاص، وكثير من المراكز والمستشفيات العامة المتخصصة، قائلة: «أزعم أنه لولا الإساءة إلى هذا القطاع بالحديث عن الأخطاء الطبية بالحق والباطل، لظلت قبلة السياحة العلاجية في الشرق الأوسط لأنها تمتلك الكثير من الإمكانات التي تزيد عن بعض البلاد المجاورة التي سحبت البساط في هذا المجال، رغم أن معظم أطبائها النابهين أتوا للتعلم والتدريب في مصر، ولكن يحظر في بلادهم بالقانون الإساءة إلى الأطباء بالنشر في وسائل الإعلام دون وجود حكم قضائى». ونوهت «العيسوى» بأنه يمكننا التقليل من حدوث الأخطاء الطبية بتحسين بيئة العمل والحرص على التدريب الجيد للأطباء، وكذلك معالجة أسباب هجرة الأطباء والتى زادت كثيرا في الآونة الأخيرة وطالت حتى كوادر أعضاء هيئة التدريس بالجامعات العريقة.
الدكتور أبوبكر القاضى، أمين صندوق نقابة الأطباء، قال أيضا لـ«صحتك بالدنيا»: «لا يوجد خطأ طبى ولكن توجد مضاعفات، والخطأ والمضاعفات الطبية تحدث في كل مكان، وموجودة في المصادر والمراجع الطبية، ولازم الناس تعرف الفرق بينهما».