د.ماجد عزت إسرائيل
الأخوين فان-إيك مصوران من بلاد الفلمنك (حاليًا بلجيكا) اِمْتَهَنَا التصوير ورسم المنمنمات miniature واستخدموا الألوان الزيتية وهما، هوبرت فان إيك الذي ولد حوالي ما بين 1385/ 1390- 1426م، وروجير فان در فايدن الذي ولد في مدينة ماسيك Maaseikعام1390م وتوفي في مدينة بروج Bruges في عام 1464م. وهنا سوف نركز على روجير مع وجود العديد من الإشارات لشقيقه وهذا ما سوف نوضحه.
لم نعرف عن روجير أي شئ إلا حين اتصل ببلاط جان البافاري Jean de Baviere كونت هولندة، وعمل في لاهاي في المدة مابين(1422- 1424م) وبعد وفاة الكونت عمل روجير كرسام في البلاط في عهد فيليب الطيب دوق بورجوندي، وكانت تُدفع له مخصصات سنوية. وقد اسند إليه عدة مهام دبلوماسية في كل من إسبانيا والبرتغال، ومن الجدير بالذكر في عام في عام1426، تزوج روجير من إليزابيث يان جوفيرت ابنة صانع أحذية في بروكسل، وقد انجبت له أربعة أطفال هم منهم كورنيليوس (المولود في عام 1427) وأصبح راهبًا كرتوزيًا، وابنة، مارجريتا، ولدت في 1432. وبيتر ولد في عام 1437، ويان في عام 1438. ومنذ عام 1430 استقر في مدينة بروج وعاش فيها حتى وفاته.
وبين عَشِيَّةٍ وضُحاها أصبح روجير من بين اِشتهرَ الرسامين، وقد اِقتَصَرَ أعماله على لوحات الثلاثية دينية، ونقوش مذابح الكنيسة، وبورتريهات فردية ومزدوجة كُلف برسمها، وصُدّرت لوحاته إلى إيطاليا وإسبانيا،وتم تكُلّيفه بالعديد من الأعمال لصالح فيليب الطيب، ونبلاءهولندا،والأمراء الأجانب. وعرف عنه أنه من بين أكثر الرسامين تأثيرًا في عالم الفنون الزيتية في القرن الخامس عشر.
وحقًا اِشتهرَ روجير بأعماله وموضوعاته الدينية التي وجدت سوقًا رائجًا ومحبين لهذه اللوحات في معظم أنحاء أوروبا. فرسم اللوحات الزيتية الكبيرة، والمنمنمات التي زينت الكتب الدينية. نذكر هنا على سبيل المثال كتاب «صلوات ميلانو- تورينو» الذي يحتوى على مجموعة من الرسوم المنمنمة التي تصور الميامر(القصص) التي ورد ذكرها بالكتاب المقدس، وأيضًا من وبين أعماله الزيتية لوحتان كبيرتان في كاتدرائية سان بافون Saint Bavon في مدينة جاند Gand وقد تم رسمهما بأسلوبًا تقليديًا بحيث تتضمن اللوحة الواحدة مجموعة من المشاهد Polyptyque وهذا النمط من اللوحات معروف في الكنائس، وغالباً مايزين المذابح. اللوحة الأولى وتحتوى على12 مشهداً، رسمت على الخشب، وبمساحة 350×461 سم، مابين(1427-1429)، وكان قد بدأها شقيقه الأكبر هوبرت وأتمها روجر، وتضم اللوحة مشهداً كبيراً ومهماً يعرف ياسم « الحمل » LAdoration de lAgneau mystique des frères Van Eyck : focus sur un chef-d’oeuvre des primitifs flamands وهو إشارة للسيد المسيح "وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلًا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!" (يو 1: 29).لأن يسوع هو الذبيحة الكاملة عن الخطية. والعهد القديم، الذي يحتوي على نبوءات عن مجيء المسيح ليكون "ذَبِيحَةَ إِثْمٍ" (أشعياء 10:53). والحقيقة أن نظام الذبائح الذي أسسه الله في العهد القديم ما هو إلا إعداد الله لمجيء المسيح، الذي هو الذبيحة الكاملة التي أعدها الله ليكفر عن آثام شعبه (رومية 3:8؛ عبرانيين 10). وقد كانت الذبيحة اليومية تقدم في الهيكل في أورشليم. فكان يتم تقديم حمل في الهيكل كذبيحة كل صباح ومساء عن خطايا الشعب كما ورد بالكتاب قائلاً: "«وَهذَا مَا تُقَدِّمُهُ عَلَى الْمَذْبَحِ: خَرُوفَانِ حَوْلِيَّانِ كُلَّ يَوْمٍ دَائِمًا. الْخَرُوفُ الْوَاحِدُ تُقَدِّمُهُ صَبَاحًا، وَالْخَرُوفُ الثَّانِي تُقَدِّمُهُ فِي الْعَشِيَّةِ. وَعُشْرٌ مِنْ دَقِيق مَلْتُوتٍ بِرُبْعِ الْهِينِ مِنْ زَيْتِ الرَّضِّ، وَسَكِيبٌ رُبْعُ الْهِينِ مِنَ الْخَمْرِ لِلْخَرُوفِ الْوَاحِدِ. وَالْخَرُوفُ الثَّانِي تُقَدِّمُهُ فِي الْعَشِيَّةِ. مِثْلَ تَقْدِمَةِ الصَّبَاحِ وَسَكِيبِهِ تَصْنَعُ لَهُ. رَائِحَةُ سَرُورٍ، وَقُودٌ لِلرَّبِّ. مُحْرَقَةٌ دَائِمَةٌ فِي أَجْيَالِكُمْ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ أَمَامَ الرَّبِّ، حَيْثُ أَجْتَمِعُ بِكُمْ لأُكَلِّمَكَ هُنَاكَ." (خر 29: 38-42). وكانت هذه الذبائح اليومية، مثل غيرها، رمز نبوي لذبيحة المسيح الكاملة على الصليب. الحقيقة التاريخية أن الأخوان فان- إيك نجحوا في الربط ما بين الكتاب المقدس والفن واشتهروا بهذا الفن في العالم.
على أية حال، تضم اللوحة الثانية التي رسمها روجر في عام 1432م ثمانية مشاهد وابعادها ما بين350×223سم، ويظهر فيها التطور الذي حققه،إذ ازدادت لوحاته متانة وقوة، وبرزت الكتل والحجوم في صور الأشخاص بوضوح تام. وحقًا برع روجر في أعماله الخاصة التي عالحت موضوعات متنوعة هنا نذكر على سبيل المثال وليس الحصر: و«الكاردينال نيكولا البرغاتي» (1430)، و«رجل يرتدي عمامة»، عام(1433) و«الزوجان أرنولفيني»، (1443). وقد اوضحت الأخيرة، نمط التطور الاجتماعي في القرن الخامس عشر الميلادي.
ومن أهم لوحاته الدينية «البشارة» (1435)، ولوحة إنزال المسيح من على الصليب، والتي رسمها حوالي عام 1435م. وحاليًا توجد بمتحف ديل برادو، مدريد، و«العذراء مع كاهن فان ديربال» (1436)،و«العذراء» (1440) وتظهر في هذه اللوحات رؤية فنية جديدة لبعض الشخصيات الدينية، وفيها يتخلى الفنان عن الهالة المقدسة التي كانت تحيط بالشخصيات، وهذا الفن كان سائد بين فنناني العصور الوسطى.
وقد تمتع روجر فان إيك بحياة اجتماعية متميزة من تحقيق الثراء المادي لعمله ببلاط الدولة بالإضافة لاعماله الكنيسية والخاصة، وحقًا نال شهرة كبيرة بين معظم الرسامين في عصره فحصل على لقب الرسام الخبير1432م، ورسام مدينة بروكسل عام 1436م، وقد وضع كثيرين من الحِرفيين صوره وأعماله دليل على التواصل في مجال العمل الفنى.