بقلم /ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية يوم 25 هاتور من كل عام قبطي الموافق 4 ديسمبر من التقويم الميلادي بتذكار استشهاد الشهيد العظيم فيلوباتير مرقوريوس والشهير بلقب "أبو سيفين" ؛ ولهذا الشهيد مكانة كبيرة جدا في قلوب الأقباط ؛ والشهيد فيلوباتير أستشهد في عهد الأمبراطور داسيوس الذي أعتلي عرش الأمبراطورية الرومانية خلال الفترة من (249- 251 م) وهو يمثل الحلقة السابعة من حلقات الاضطهاد العشرة التي مرت بها المسيحية من عصر نيرون (54-59 م) إلي عصر دقلديانوس ( 284-305 م) ؛أما عن الشهيد فيلوباتير فلقد ولد حوالي عام 225 م من أبوين وثنيين أمنا بالمسيحية حديثا من مقاطعة سكيتوس شرق الأمبراطورية الرومانية "بلاد رومانيا حاليا " وعندما كبر انتظم في سلك الجندية ؛وفيما هو خارج ذات يوم في إلي أحدي المعارك ظهر له ملاك الرب في شبه إنسان بلباس أبيض ؛وأعطاه سيفا قائلا له "إذا ما غلبت فلا تنس الرب إلهك " ولهذا السبب عرف الشهيد بلقب "أبو سيفين " السيف الأول هو سيف الجندية ؛أما السيف الثاني فهو السيف الذي أعطاه ملاك الرب له ؛ وعندما أنتصر مرقوريوس علي أعدائه وعاد إلي الأمبراطور ؛سر به جدا فعينه قائدا عاما علي جميع جيوش الامبراطورية الرومانية ؛وفي نشوة الأنتصار أصدر الأمبراطور منشورا أرسله إلي جميع أنحاء الامبراطورية وكان ذلك عام 250م ؛يطلب فيه السجود للإله أبولون Apollon ؛وكل من يرفض السجود لهذا الإله ؛سوف يناله عذابا شديدا ؛ويبدو أن الأمبراطور لم يكن يعلم حتي هذه اللحظة أن القائد الأعلي للجيوش مرقوريوس قد صار مسيحيا ؛ولقد وقع مرقوريوس في مأزق كبير ؛هل يسجد للإله أبولون وينكر إيمانه بالمسيحية ؟؛ أم يعلن إيمانه المسيحي ويتحمل جميع أشكال العذاب التي سوف يلقاها ؟ ؛ وبينما هو في لحظة تفكير ظهر له ملاك الرب مرة ثانية وذكره بالعبارة التي قالها له "في المرة الأولي حين أعطاه السيف "إذا غلبت فلا تنس الرب إلهك " ثم قال له " إذا صمدت في معركة الإيمان ؛ستنال أخيرا أكليل البر ؛ وستكون لك الحياة الأبدية في ملكوت السماوات " وبعد ذلك أستدعاه الأمبراطور إلي قصره ؛ وأمره أن يسجد معه للإله أبولون حينئذ قام مرقوريوس بخلع سترته العسكرية ونياشينه وأعلن أمام الأمبراطور أنه مسيحي لا يسجد إلا للرب إلهه وحده ؛ ثم قام بلعن الآلهة الوثنية وعندها جن جنون الأمبراطور ؛ فأمر بتعذيبه ؛فقام الجنود بتقطيع جسده بأمواس حادة ؛وحرق جنبه بالنار ؛ وشده بين أوتاد أربعة ؛وضربه ضربا مبرحا ؛كما علقوا في عنقه حجرا ثقيلا ؛وعندما رأوا إصراره علي إيمانه ؛أمر الامبراطور ديسيوس بقطع رأسه وكان لك حوالي عام 250م ؛وتعيد له الكنيسة القبطية بعيد استشهاده في 25 هاتور كما ذكرنا في بداية المقال . ؛
ولأبو سيفين عيدين آخرين في الكنيسة القبطية ؛ العيد الأول ويقع في 9 بؤونة (16 يونية ) وهو عيد وصول جزء من جسده الطاهر إلي أرض مصر ؛وكان ذلك في عهد البابا يوأنس الثالث عشر ( 1483- 1524 ) البطريرك الرابع والتسعين بمساعدة مطران دير الأرمن في القدس ؛ وتم وضع هذا الجزء في كنيسة الشهيد أبو سيفين الأثرية بمصر القديمة وكان ذلك في عام 1204 للشهداء الموافق 1488 ميلادية ؛ ولقد تم توزيع هذا الجزء الطاهر من الجسد علي 13 كنيسة في مصر نذكر منهم علي سبيل المثال كنيسته الأثرية بمصر القديمة ؛ودير ابو سيفين للراهبات بمصر القديمة ؛وكنيسة العذراء الدمشيربة ؛وكنيسة العذراء حارة زويلة وحارة الروم ؛ دير الشهيد أبو سيفين بطموه بمحافظة الجيزة ...... الخ . والعيد الثاني هو عيد تكريس الكنيسة التي دشنت بأسمه ويقع في 25 أبيب ( 1 أغسطس) ).وقبل أن نبدأ في رصد الكنائس والأديرة الأثرية القديمة التي تحمل أسم الشهيد أبو سيفين ؛ يجدر بنا أن نذكر أن هناك العديد من المناطق الأثرية التي تحمل أسم قديسين أحدث عهدا من الشهيد أبو سيفين ؛ولكنها مبنية علي أنقاض كنيسة أو دير لأبو سيفين ؛نذكر علي سبيل المثال منطقة وكنيسة الأنبا رويس بالعباسية كانت تعرف قديما بأسم "دير أبو سيفين " ولقد ذكر بعض شهود العيان أنه أثناء بناء المقر البابوي الحالي أكتشفوا آثار قبة كنيسة لأبي سيفين تحت مستوي سطح الأرض" ؛ ونذكر أيضا دير الأنبا برسوم العريان بمعصرة حلوان قبل أن يسكنه القديس في القرن الثالث عشر كان أسمه"دير أبو سيفين " ؛ونذكر أخيرا دير العزب في الفيوم قبل أن يدفن فيه الأنبا أبرآم أسقف الفيوم والجيزة الراحل (1829 -1914 )كان أصلا يعرف ب"دير أبي سيفين " أما عن كنيسة الشهيد العظيم أبي سيفين بمصر القديمة فيرجع تاريخ أنشأها غالبا إلي نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس ؛ ولقد تهدمت هذه الكنيسة وأعيد بناؤها في عهد البابا أبرآم بن زرعة البطريرك ال62 من باباوات الكنيسة القبطية ؛ويري البعض أن هذه الكنيسة كانت مقرا للكرسي البابوي فترة من الزمن ؛بينما يري البعض الآخر أنها لم تكن مقرا بالمعني المعروف ولكنها كانت استراحة للاب البطريرك في الفترة التي كان فيها مقر الكرسي المرقسي هو الكنيسة المعلقة . ويذكر بعض المؤرخون أن هذه الكنيسة قد تم تجديدها في عهد العزيز بالله 0(974-996 ) ومن أشهر آثار هذه الكنبسة المغارة التي عاش فيها القديس برسوم العريان مدة 20 عاما قبل انتقاله إلي دير المعصرة بحلوان ؛كما يوجد بها مجموعة رائعة من الأيقونات الرائعة قام برسمها طبقا للتوقيعات الموجودة علي كل أيقونة كل من "أبراهيم الناسخ "و"يوحنا الأرمني "و"انسطاسي الرومي " . وبجوار كنيسة مصر القديمة يقع دير أبو سيفين للراهبات وكان يعرف قديما بدير "أبي سيفين للبنات بحارة البطريرك بدرب البحر "ويرجع السبب في هذه التسمية أن الدير منذ إنشائه حتي أوائل القرن التاسع عشر كان مطلا علي شاطيء النيل ؛ ثم أنحسر النيل رويدا رويدا ؛وأصبح يبعد عن النيل حوالي 600 متر تقريبا .
وقد تعرضت المنطقة إلي حملات كثيرة من التخريب والتدمير ؛فيذكر التاريخ أنها احرقت في حريق الفسطاط في القرن العاشر .وقد أعيد بناؤها مرة أخري في عام 1168م . ولقد وصف الرحالة الانجليزي ألفريد بتلر الدير في كتابه الشهير "الكنائس القبطية القديمة في مصر " فقال عنه " أسعدني الحظ باكتشاف دير العذاري ؛أن به أجمل الاماكن التي يمكن للانسان أن يتخيلها .وإذا كانت راهباته قد لجأن إليه إلتماسا للهدوء . أن دير أبي سيفين يقف مثل واحة مسورة في الصحراء ومنعزلة عن التراب وقطع الخزف الاثرية المكسورة التي تمتد لأجيال جنوب القاهرة حيث لا تستطيع أية مركبة ذات عجلات الدخول إلي هذه المنطقة ولذلك فأن الهدوء هنا لا يعكره أي صخب أو ضجيج كما هو معتاد في حياة العالم " ( الكتاب السابق ذكره ؛ترجمة إبراهيم سلامة إبراهيم ؛الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛ سلسة الالف الكتاب الثاني رقم 130 ؛ ص119 ؛120 ) ولقد قام البابا كيرلس الخامس البطريرك ال112 (1874-1927 ) بتجديد ما تهدم من هذا الدير ؛وكان ذلك عام 1912 في عهد رئاسة الأم يوستينة ( 1910- 1928 ) وتذكر الراهبات القدامي أن قداسته كان يشرف بنفسه علي العمال ؛ وكان يحرص علي الجلوس وتناول الطعام معهم بكل تواضع قلب وبساطة .
أما دير الشهيد العظيم أبو سيفين بطموة ؛فيقول عنه أبو المكارم في كتابه عن تاريخ الكنائس والأديرة " طمويه وبحيط بها دير وبيعته علي أسيم مرقوريوس وهو مطل علي البحر ويجاوره جوسق يتوصل إليه من هذه البيعة وعلوه مناظر حسنة ويشرف علي البساتين والأشجار والأراضي المزروعة والكروم " ( تاريخ أبو المكارم ؛إعداد الانبا صموئيل ؛الجزء الثاني ؛ص 85 ) . أما المقريزي فلد ذكر عنه تحت كلمة "دير طمويه " غير أنه ذكر أن هذا الدير علي أسم بوجرج " أي مارجرجس ؛ولكن الصحيح هو دير أبو سيفين (تاريخ الاقباط للعلامة المقريزي تحقيق د عبد المجيد دياب ؛ دار الفضيلة ؛ص 161 ) كما ذكره الرحالة الشهير فانسليب في كتابه "تقرير الحالة الدينية ؛فقال عنه " في طموه نحو الغرب دير الطوباوي مرقوريوس " "(الكتاب المذكور ؛ترجمة وديع عوض ؛تقديم محمد عفيفي ؛المشروع القومي للترجمة الكتاب رقم 1005 ؛ص 154 ) وقال عنه القمص عبد المسيح المسعودي البراموسي في كتابه "تحفة السائلين في ذكر أديرة رهبان المصريين " " دير القديس مرقورويوس ابو السيفين بناحية طموه بمديرية الجيزة .غربي النيل وليس فيه رهبان .بل كنيسة يصلي فيها قسوس علمانيون .ذكر في سجل الكنائس تبعا لكرسي أسقف الفيوم سابقا ؛وذكره المقريزي باسم دير طمويه "بفتح الطاء وسكون الميم وفتح الواو وياء ساكنة ("الكتاب المذكور سابقا ص 137 ).
ولقد تدهورت حالة الدير كثيرا إلي ان جاء عصر البابا كيرلس الخامس وشاهد الدير فأخذته الغيرة المقدسة فقرر أن يقوم فيه بنهضة عمرانية شاملة فقام ببناء ما تهدم من كنيسة الدير الأثرية ؛ كما بني فيه بيتا لخلوته الشخصية خلال زياراته المتكررة للدير ؛ كما أنشأ كنيسة علوية علي أسم رئيس الملائكة ميخائيل ؛كما اهتم بتزويد الدير بمجموعة كبيرة من كتب الصلوات الطقسية لضمان أستمرار الصلوات به . والدير حاليا يشهد نهضة روحية وتعميرية كبري
بقيت كلمة أخيرة عن المكانة الشعبية الكبيرة التي يحملها أبو سيفين في قلوب الأقباط ؛ فهم يعتبرونه شفيعهم في الكوارث والأزمات . ومن القصص الطريفة التي ترويها راهبات دير ابو سيفين في مصر القديمة أنه حدث أثناء الحرب العالمية الثانية وكانت الغارات شديدة علي مصر ؛وذات ليلة خلال شهر سبتمبر وكان الجو شديد الحرارة أن الأم رئيسة الدير قامت بفتح شباك الحجرة قليلا للتهوية ؛وفجأة رأت أبي سيفين واقفا بكامل الملالبس العسكرية داخل الحجرة ؛وقال لها "نحن سنحرس تحت ولا فوق ؛كفاية نحميكم من الشظايا ؛أغلقي الشباك ونبهي علي الراهبات أنهم يغلقوا الشبابيك " وقصة أخري عن سيدة قبطية هاجرت إلي أمريكا ؛وجاءت إلي مصر لزيارة الدير ؛ولكنها لم تكن تعرف الطريق ؛كذلك سائق التاكسي الذي أستقلته؛ وفجاءة أوقف التاكسي شاب قال له أنا أعرف الطريق وسوف أوصلكم بنفسي ؛وركب معهم حتي باب الدير ؛ وعندما ألتفتت إليه السيدة لكي تشكره لم تجده وفجأة أختفي .