ايمن منير
ذأت يوم رأى سُكَّان أورشليم موكِّباً كبيراً .. فريداً .. قادِّماً نحو المدينة .. جماعةً مِن الناس يسيرون في زِّحام شديد والأغصان التي بأيديهِّم يُلقوَّنها تحت أقـدام راكب الأتان ويعلو بالمدينة صوتهِم المُدَّوى .. ويتردَّد صداه بين الجبال وهم يصرُّخون قائلين: " أُوصَنَّا لإبْنِ دَاوُدَ ..! مُبَارَكٌ الآتِي بِإسْمِ الرَّبِّ ..! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي ..! " ( مت9:21 ).
ويذكر الكِتاب المُقدَّس إن المسيح عِندما دخَّل أورشليم إرتجت المدينة كلُها قائلة " مَن هذا ..؟ " ( مت10:21 ) ولا تزال المُدُّن حتى اليوم ترتج .. والعِقول ترتج .. العالم كلهُ يرتج ويقول: مَن هو هذا ..!
وحين بدأ المسيح خدَّمتهِ على الأرض إلتفَّت حولهِ جماهير كثيرة .. وصارت تتبعهُ في كل مكان .. وأحدَّث ذلك هزةً أخافت رؤساء الكهنة والكتبة والقادة .. ولما وصلت أخبارهِ إلى هيرودس الملك إرتاب وتعجَّب .. إذ ظن أن المسيح هو يوحنا المعمدان ..! ولهذا تسأل في فزَّع وقلق : " يوحنا أنا قطعت رأسه ..! "
إذاً من هو هذا الكائن الفريد ..! الذى لم يَرِّد في التاريخ من يُشبههُ ..! قد تقول: نبى أو إنسان وُلِّد وعاش ومات ..! لكن ولادَّتهِ الجسَّدية كانت فريدة ..! فلم نسمع عن ميلاد إنسان بدون زرع رَّجُل ..! أو عذراء تلد بدون زواج وبعد أن ولدت ظلت عذراء كما هى ..! ولولا أن إشعياء النبى قد تنبأ عن هذا الميلاد العجيب: " يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ ( إش7: 14 ) فما كان مُمكناً لإنسان أن يُصدِّقهُ ..!
وعاش كل حياتهِ بلا خطيئةً ..! وقد قال مرَّة لليهود " مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خطيئةً ..! " ( يو8: 46 ).
وصَّنع مُعجزاتً خارقة .. فوق قُدرَّة البَّشر ..! فقد شفى المرضى وجعل العُرَّج يمشون .. والصُم يسمعون والعُمى يُبصرون .. والخُرِّس يتكلمون .. والمَفلوجين يتحركون.. حتى الطبيعة كانت تخشاه وتُطيعهُ .. فكان ينتهَّر الرياح ويأمُّر البحر فيهدأ ..
وغفَّر الخطايا التى لا يغفرِّها إلا الله " وَإِذَا مَفْلُوجٌ يُقَدِّمُونَهُ إِلَيْهِ مَطْرُوحاً عَلَى فِرَاشٍ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: ثِقْ يَا بُنَيَّ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ " ( مت9: 2 ) وفى بيت سمعان الفريسى قال للمرأة الخاطئة: " مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ" ( لو47:7 ).
وقد هزَّم الموت عندما أقام أمواتاً من الموت وأعادهُم إلى الحياة فقد أقام: إبن أرملة نايين ( لو7:11- 17 ) وإبنة يأيرُّس ) ( مت 9 : 8- 26 ) ولِعازر ( يو 11: 1- 44 ) وأخيراً إستطاع بقوة لاهوتهِ أن يقوم من بين الأموات ويصعَّد إلى السماء ..! ضارباً عرَّض الحائط بقوانين الطبيعة والجاذبية ألأرضية - لإنهُ رَّب الطبيعة كما قولنا فالرِّياح والأمواج والأعاصير والمَشي علي الماء - وجَعَّل الأسماك أن تأتي في موضِّع واحد ( أُدخُلوا إلي العُمق وألقوا شِباككم )
كل ذلك كان لهُ سُلطاناً عليهِ .
إنهُ مُعلِّم قدّم تعاليم جديدة تُلهِّب الروح حرارةً .. والجسَّد طهارة .. ولم تكن تعاليمهِ كتعاليم الكتبة والفريسيين الحرَّفية .. وأقوالهِ كانت ذأت سُلطان حتى " بُهِتَتِ الْجُمُوعُ مِنْ تعاليمهِ لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَالْكَتَبَةِ " ( مت7:28، 29 ).
حمَّل رسالة سماوية وتكلم بنفسهِ أي بكلمة ذأتهِ فهو الكلمـة " وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ.. وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهِ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّ" ( يو1:1- 14 ).
وقد لُقِّب بألقَّاب كثيرة مِنها ما يُشير إلى لاهوتهِ ومِنها ما هو يُشير إلى ناسوتهِ من بين هذه الألقاب الكثيرة: الناصري " وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ: إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيّاً "
( مت 2 : 23 ) والمسيح " يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ " ( مت 1 : 16 ) وإبن الإنسان " وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ إبْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ " ( يو13:3 ) وإبن الله " وَنَحْنُ قَدْ آمَنَّا وَعَرَفْنَا أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ إبْنُ اللَّهِ الْحَيِّ " ( يو6: 69 ).
والله الكلمة المُتجسِّد ( يو20: 28 ) قول توما للسيد المسيح " ربي وإلهي" .. وقد قبل السيد المسيح هذا اللقب .. ووبخه على أنه آمن بعد أن رأي وكان يجِّب أن يكون إيمانه دون أن يري.
( يو1: 1 ) " في البدء كان الكلمة ( اللوغوس ).. والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله "
( متى1: 23 ) وأشار الملاك إلى نبوءة إشعياء " هوذا العذراء تحبل وتلد إبناً ويدعون إسمهُ عمانوئيل الذي تفسيرهُ الله معنا " ( أش7: 14 ). وكون المسيح هو الله معنا إعترَّاف صريح بلاهوتهِ. ولذلك فإن إشعياء النبي يوضح هذا المعني في الإصحاح التاسع بقولهِ : ( أش9: 6 ) " لأنه يُولد لنا ولد ونُعطَّي إبناً .. وتكون الرياسة على كتفهِ .. ويُدَّعي إسمهُ عجيباً مُشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام".
( 1تى3: 16 ) " عظيم هو سر التقوى الله ظهَّر في الجسَّد تبرَّر في الروح تراءى لملائكة .. كرُز به بين الاُمم .. أومن به في العالم .. رُفِّع في المجد".
( كو2: 7، 8 ) حيث يقول القديس بولس الرسول عن السيد المسيح " فإنه فيه يحل كل ملئ اللاهوت جسدياً ". ويزيد هذه الآية قوة عبارة " كل ملئ اللاهوت ". فإن كان المسيح فيه كل ملئ اللاهوت .. إذاً لا ينقصهُ شيئ وهو الله وليس إله غيره لأن خارج كل الملئ لا يوجد شيئ .. وعبارة جسدياً تعنى أن هذا اللاهوت أخذ جسداً
أي ظهَّر في الجسد كما توَّضح الآية السابقة ( 1تى3: 16 ) ..
( أع20: 28 ) " إحترزوا إذاً لأنفُسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القُدُّس فيها أساقفة .. لترعوا كنيسة الله التي إقتناها بدمهِ " .. والمعروف أن الله روح ( يو4: 24 ) .. والروح ليس له دم .. والله لا يقتني الكنيسة بدمهِ .. إلا إذا أخذ جسداً وبذَّل دمهِ عنها .. وهُنا نصِّل إلى نفس المعني " الله ظهَّر في الجسَّد"
والعدِّيد مِن الأيات بالكِتاب المُقدَّس مع ردَّ
الشُبهةِ عنهُ ردَّاً قاطِّعاً بإستِّحالة تحريفهِ ومِن كتُب مَن يدَّعون ذلك
وذأت يوماً سأل المسيح تلاميذهِ مَن يقول الناس إنى أنا إبن الإنسان فقالوا : " قَوْمٌ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ وَآخَرُونَ إِيلِيَّا وَآخَرُونَ إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ" ( مت16: 20 ) وبعدما سمِّع يسوع إجابة تلاميذهِ وجّه إليهم سؤالاً مُباشراً " وَأَنْتُمْ مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا ..؟ فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ إبْنُ اللَّهِ الْحَيِّ " ( مت16: 16 ) .. أما توما فقال مرَّة " رَبِّي وَإِلَهي" ( يو20: 28 ) ومرثا قالت: " أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ إبْنُ اللَّهِ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ" ( يو11: 27 ) وبيلاطس البُنطى وهو مِن أعداؤهُ والبعيدون عنهُ قال : " قَدْ فَحَصْتُ قُدَّامَكُمْ وَلَمْ أَجِدْ فِي هَذَا الإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ" ( لو23: 14 ) وقائد المئة " بِالْحَقِيقَةِ كَانَ هَذَا الإِنْسَانُ بَارّاً " ( لو23: 47 ) واللِّص اليمين على عود الصليب قال" أُذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ " ( لو23: 42 ).
أما المسيح فقال عن نفسهِِ " أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي" ( يو14: 6 ) " أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذِّل نفسهِ عن الخِرَّاف" ( يو10: 11 ) " أنَا وَالآبُ وَاحِدٌ " ( يو10: 30 ) " قد دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ " ( مت8:28 )... آيات كثيرة قالها السيد المسيح وكلها تُعلن لنا من هو ..!
ويُعَّد حُبهِ أعظم أعمالهِ " لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ " ( يو3: 16 ).
وهو أيضاً يُخلصك .. لأنه من أجلك جاء ولِخلاصِّك قد نزَّل مِن السماء .. أتذكرون قول الملاك للرُعاة يوم ميلادهِ " هَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ " ( لوقا2: 11 ).
كما أنهُ يبقى معى ومعك ومع الجميع " هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ إبْناً وَيَدْعُونَ إسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ الذى تفسيره اللهُ مَعَنَا " ( مت1: 23 ) " هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى إنْقِضَاءِ الدَّهْر ِ" ( مت28: 20 ).