أوروبا شهدت ارتفاعاً قياسياً بأعداد الإصابات بكورونا الشهر الماضي
واتخذت المؤتمرات الصحافية نبرة احتفالية تقريباً، حيث أعلن الرؤساء، ورؤساء الوزراء، والمستشارون الأوروبيون عن خرائط طريق بعيداً عن قيود كورونا، مشيدين بمعدلات الإقبال على التلقيح في بلادهم.
التساهل في التدابير الوقائية
لكن اكتشفت الدول أنّ معدلات التلقيح المرتفعة نسبياً غير كافية لوقف انتشار كورونا، حيث ازداد عدد الإصابات المسجّلة في كلّ من ألمانيا والنمسا، في الأسابيع الأخيرة، وذلك جراء التساهل في التدابير الوقائية.
وأوضح تشارلز بانغهام، أستاذ علم المناعة والمدير المشارك لمعهد الالتهابات التابع لـ"إمبريال كوليدج لندن"، لشبكة "سي إن إن" أن "اللقاح يستمر في توفير حماية كبيرة من الإصابة بالمرض الشديد، أو الوفاة".
كما أضاف: "لكننا نعلم أنّ متحوّر دلتا ينقل العدوى بسرعة كبيرة"، مضيفاً أن "هذا الأمر ترافق مع تغييرات في المجتمع والسلوك، حتى إنه تمّ صرف النظر عن التقيّد بالتدابير الوقائية التي تراجعت أصلاً في العديد من الدول".
انتقال العدوى
بدوره، أكد رالف رينتجيس، أستاذ علم الأوبئة ومراقبة الصحة العامة في جامعة هامبورغ للعلوم التطبيقية في ألمانيا، أن "التلقيح يساعد"، مشيراً إلى أن "الحجر هو الأساس في آلية القضاء على الفيروس، لكنّه لن يكون قوياً بما يكفي منفرداً".
من جهته، أوضح سام ماكونكي، رئيس قسم الصحة الدولية وطب المناطق الحارة في جامعة الطب والعلوم الصحية RCSI، في دبلن، أنّنا "نشهد على انتشار للوباء بين الأشخاص غير المحصّنين، الذين تبلغ نسبتهم حوالي 10٪ من السكان الذين تخطوا 12 عامًا، كما هو متوقع".
وأدت نسبة الإصابات المرتفعة إلى إحباط معظم القادة في جميع أنحاء أوروبا، جرّاء الخطر المتزايد من البؤر التي يشكّلها الأشخاص غير الملقحون.
فقد قال نائب رئيس الوزراء الإيرلندي ليو فارادكار لـ "سي إن إن" إن الأشخاص غير المحميّين "يسبّبون الكثير من المشكلات"، لافتاً إلى أنّ إيرلندا "لن تفرض القيود الآن" إذا تلقّى الجميع اللقاح.
تراجع المناعة في المقدمة
وكانت دول القارة الأوروبية سبّاقة لجهة استقدام اللقاحات والشروع بإعطائها للمواطنين في الأشهر الأولى من عام 2021، لكن هذه الدول تواجه تراجعاً تدريجياً في المناعة.
وهذا ما بيّنته دراستان نُشرتا الشهر الماضي، بعدما كشفتا أنّ الحماية المناعية التي توفرها جرعتا لقاح كورونا من شركة "فايزر" تبدأ بالتراجع بعد شهرين أو أكثر، رغم أن الحماية من الأمراض الشديدة، والاستشفاء، والوفاة لا تزال قوية. وأظهرت الدراسات التي شملت لقاحي "مودرنا" و"أسترازينيكا"، المستخدمة أيضاً في أوروبا، نتائج مماثلة.
في المقابل، رأى توبياس كورث، أستاذ الصحة العامة وعلم الأوبئة، ومدير معهد الصحة العامة في مستشفى "شاريتيه" الجامعي في برلين، أنّ "المناعة هذه هي أحد أسباب تزايد حالات الاستشفاء البطيء بين الأشخاص المحصّنين، حالياً، لا سيما لدى شريحة المتقدمين في السن، الذين كانوا الفئة الأولى المستهدفة للتلقيح".
وأشار إلى أنّ "النبأ السار هو أنّ الأجسام المضادة والخلايا الناتجة عن اللقاح تبدو بحالة جيدة جداً رغم تسجيل تراجع طفيف في تركيزها"، لافتاً إلى أنّ هذا الأمر يحمي المحصّنين، لكن المشكلة تكمن في عدم القدرة على التحكم بنقل العدوى لآخرين، ما قد يساهم في زيادة معدل الإصابات.
60% من العبء العالمي
ويصرّ الخبراء على أنّ اللقاحات وحدها لا تستطيع الحد من انتشار الوباء في بلد ما.
فقد قال ديفيد هيمان، المدير التنفيذي السابق لمجموعة الأمراض المعدية في منظمة الصحة العالمية ـوالأستاذ في كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة إن "اللقاح يتحكم في عدد الوفيات، لكن ما نشهده اليوم أن هذا الفيروس صار وباء متأصلًا، وحقق انتشارًا أوسع في بعض الدول بسبب تراجع الضوابط الصارمة فيها".
يشار إلى أن معدل الإصابات بكورونا ارتفع الشهر الماضي في أوروبا، حيث يمثل المصابون 60% من عبء الإصابات العالمي، وفق جامعة جون هوبكنز.