بقلم- محمود الزهيري
هناك من يذهب إلى مرافئ سفن الغيبوبة العقلية, ويمتدح ربابنتها, وهو يدري أن هذه السفن ليس لديها بوصلات حينما تمخر عباب السماء, وتشق جبال الأمواج العاتية, وهو في ذات الوقت يعلم أن هذه السفن ليس لديها خرائط للبحار والمرافيء, وفقط تعتمد هذه السفن على القضاء والقدر, وترتكن إلى إرادة المشيئة والقدرة.
هناك من يمتدح ربابنة هذه السفن، ويراهم من المؤمنين المتوكلين على إرادة القضاء والقدر, وأن الحظ في الخير الكثير سوف يواتيهم, ويواتي من يمتدحهم بنفاق أو يزين لهم سوء أعمالهم، وضحالة تفكيرهم, وسوء مصيرهم ومصير من يتوجه معهم صوب هذه السفن التي تسير بلا بوصلات أو خرائط سير, لأن مصيرهم النهائي هو الكارثة المنتظرة للجميع من الربان لجميع من يستقل السفينة.
ظهر حزب "الدستور" بإرادة شعبية، من رحم الجمعية الوطنية للتغيير، التي أتت على غير إرادة من النظام المصري السابق, ومن منظومة الأجهزة الأمنية والسيادية التي كانت ترى أن هذه الجمعية الوطنية للتغيير تمثل خطورة على كيان الاستبداد والطغيان المصري, المعتمد في استمرار وجوده على الهيكلة المتعاظمة للدولة المركزية التي أسست لاستمرار الطغيان المصري لسنوات طويلة في التاريخ المصري, ولذا فإن من يحتمون بعلم الدولة المركزية, ويريدون أن تستمر تحت أي غطاء سياسي، هم في حقيقة الأمر أعداء أساسيين للجمعية الوطنية للتغيير, وأعداء لحزب الدستور.
الملاحظ أن أنصار الحلول المؤجلة على شرط تحقق القومية العربية, أو شرط توحد الأمة الإسلامية "الخلافة الإسلامية", هم من وقفوا ضد إرادة التحرر الوطني المصري, وهم الذين ثبت تغيبهم عن عمد وإصرار من استقبال الدكتور البرادعي في مطار القاهرة الدولي لحظة إعلان عودته إلى مصر, وهم ذاتهم من انضموا للجمعية الوطنية للتغيير, وخرجوا منها بإرادات منفردة شتتت الشمل, وجعلت قوى الشر تتعاظم ضد المواطن المصري والدولة المصرية, وذلك ليس خافٍ على أنصار الحلول المؤجلة على شروط محمولة علي أجنحة الأماني والأمنيات؛ لأن حزب "الدستور" حزب ليس حاملًا للواء أي إيديولوجيا سياسية أو دينية, ولكن يحمل إرادة النهوض بالإنسان المصري والوطن المصري أولًا, ولهذا كان الشعار المبدئي لحزب الدستور هو "الإنسان أولًا", فالإنسان هو النواة الأولي لبناء المجتمعات والأوطان, أما من يحلم ببناء الأوطان أولًا ثم بناء الإنسان بعد ذلك فهذا من الحالمين الواهمين بداهة.
ثورة 25 يناير 2011, من أهم إنجازاتها أنها جعلت طوال سيرك تجد العديد من الأقنعة ساقطة على الأرصفة وأكوام الزبالة, ومفترق الطرق, وبجوار مقار الأحزاب السياسية, وبجانب مداخل ومخارج الصحف والمجلات والمحطات الإذاعية والفضائية, وياله من مشهد مروع من أكوام الأقنعة الملقاة أرضًا على مداخل ماسبيرو ومدينة الإنتاج الإعلامي وكافة هيئات ومؤسسات الدولة المصرية المنهارة، إلا من عظمة الكذب وبؤس النفاق العام.
يكفي سقوط الأقنعة في هذه المرحلة التي يتألم معها المواطنون الأحرار, ويتألم معها وطن كبير بحجم مصر.
ستزداد الحملة الإجرامية ضد حزب الدستور, وتسعى جاهدة أن تنال من شخص الدكتور البرادعي, ومن الشخصية الاعتبارية لحزب الدستور, ومن الشخوص الفاعلة فيه؛ لأن هذا الحزب وُلد ليؤسس لدولة القانون والعدالة والكرامة والحريات الفردية والحريات الاجتماعية، في إطار من الدستور والقانون, لتكون مصر الحديثة الرائدة في كافة المجالات. وهذا الحزب ليس لديه ما يتاجر به عبر وسائط الإسلام السياسي, أو الإسلام الوهابي، أو إسلام السلطة المهتريء بسياسات السلطة المحتمية بتفسيرات جاهلية لواقع المواطن والوطن, وتختبيء خلف مفاهيم دينية سالبة للحقوق لتُضاف إلى رصيد الاستبداد الديني والفاشيات التي تسانده وتعاضده في مسيرة العجز والفشل الحاد.
حزب "الدستور" لن يراهن على قضية حجاب أو خمار أو نقاب, ولن تكون قضايا الجسد وعورات الجسد وسد فتحات الجسد أو غلقها, وقضية الاختلاط في التعليم والمواصلات, أو قضية الربا والمعاملات البنكية والمصاريف الإدارية كبديل لمفهوم الربا, أو قضية تطبيق الشريعة الإسلامية التي يرى أصحاب الحلول الدينية الجاهزة بأن غيابها هو سبب النكبات والوكسات والفشل المخزي الذي يلاحق المصريين, ولن يراهن حزب الدستور بقضايا إرضاء بعض دول الخليج أو مغازلة إيران أو تركيا على حساب الشأن المصري, ولن يلعب حزب الدستور بمشاعر المصريين بالقضية الفلسطينية, ولن يدغدغ مشاعرهم باتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية أو كامب ديفيد والكويز, ولن يراهن على التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية بوجه ظاهره العذاب والاختلاف وباطنه الرحمة والتوافق!!.
حزب "الدستور" لن تكون روافده إلا المواطنين المصريين بجميع انتماءاتهم الدينية، ولن تشغله قضايا تثير العديد من الأمور الفرعية من منتجات التفاهات العقلية والقيء المقدس!.
حزب "الدستور" لن يستخدم دور العبادة والمفاهيم الدينية التي يتم توظيفها لسرقة مشاعر وأحاسيس ووجدان البسطاء وتسكين آلامهم وجراحاتهم المؤلمة بطلب الصبر منهم والالتجاء للصدقات والزكوات والقروض وصداقات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
حزب "الدستور" وُلد رافضًا للوصايات الدينية والسياسية, وها هو حزب الدستور الذي ليس له امتدادات لدى جماعة دينية أو أجهزة أمنية, أو أبعاد أيديولوجية خارج إطار الأمة المصرية.
حزب "الدستور" حزب سياسي مصري يهتم بكافة القضايا المصرية والعربية والدولية.
أما من يتمسحون ويتملقون لأحزاب الشر وجماعات المصالح المراوغة بالمفاهيم الدينية والسياسية واللاعبة على أحبال سيرك الأمة العربية أو الأمة الإسلامية, فلن يجدوا سبيلًا لهم في هدم حزب الدستور, لأنه حزب المصريين الرافضين للوصاية والسمع والطاعة إلا للدستور والقانون.
أعتقد أن الرسالة قد وصلت لكل الذين لم تسقط أقنعتهم بعد, ولكل من سقطت أقنعتهم ويبحثون عن أقنعة زائفة أخرى!!.