فاروق عطية
كان يوم الجمعة الخامس من نوفمبر 2021م يوما تاريخيا بالنسبة لكرة القدم المصرية. مباراة بين نادي الزمالك (الذي تغير إسمه لنادي السفالك نتيجة لما يتفوه به بعض لاعبي النادي والكثير من مشجعيه السفهاء من سباب وألفاظ النابية لا تليق ضد منافسيه وجماهيرهم) ونادي المبادئ والأخلاق النادي الأهلي (النسخة 123). تباري المعلقون والمحللون في وسائل الإعلام المصرية والميديا الاجتماعية والفيس بوك في التكهن بما سيحدث في المباراة، وكان أكثرهم يحلمون بانتصار الزمالك اعتمادا على دهاء ومكر مدربه الديك الفرنسي باتريس كارتيرون'> كارتيرون، متمنين الخسارة للنادي الأهلي ورحيل مدربه الفهد الأفريقي بيتسو موسيماني.
وكانت المباراة حاسمة للنادي الأهلي وقاسية وقاصمة لنادي الزمالك الذي ذاق هزيمة مدوية بخمسة أهداف مقابل ثلاثة، رغم تورط لاعبي الزمالك بالعنف الغير مشروع والمبالغ فيه وخشية الحكم من طرد المتهورين وبذاءة جماهير السفالك وسبهم المتواصل للاعبي الأهلي ورموزه. واستطاع الفهد الأفريقي المتسامح بيتسو موسيماني من نتف ريش وقطع عرف الديك الفرنسي المغرور باتريس كارتيرون'> كارتيرون. وتربع الأهلي علي قمة الدوري وهبط السفالك للمركز الخامس.
بعد انتهاء المباراة حدث أمر خطير يهدد مسيرة الكرة المصرية محليا وقاريا، فقد أرسل الحكم المجري الدولي ساندور بوهر الذي حكّم مباراة نهائي العالم 1994م (بين البرازيل وإيطاليا) وهو الآن واحد من أبرز خبراء التحكيم بالاتحاد الأوروبي والفيفا، مذكرة عاجلة للجنة الحُكّام بالفيفا كي تخطر الاتحاد القاري(الكاف) بأن هناك تحكيم في الكلاسيكو المصري بين فريقي الزمالك والأهلي (المعدود ضمن الديربيات الشهيرة في العالم) شابه الكثير من المخالفات التحكيمية الجسيمة جاء فيه أن الشوط الأول كان جيدا (الجيد ليست العلامة النهائية في التحكيم ويمكن القول أنها بين 70- 75%)، أما شوطه الثاني فقد حدثت به أخطاء تحكيمية جسيمة ومخالفة للقانون ولا يمكن التغاضي عنها مثل عدم معاقبة واحد من بدلاء الفريق الأبيض الذي ألقى بكرة أثناء تنفيذ ضربة الجزاء الثانية للفريق الأحمر، التغاضي عن ضربة جزاء ثالثة مستحقّة للفريق الأحمر بحجة مراعة الحالة النفسية وعدم زيادة الفجوة، كما تغاضي عن معاقبة لاعب من الفريق الأبيض لاحتجاجه علي التحكيم بطريقة مستهجنة خاصة أنه تلامس معه لثواني طويلة وكان يستحق الطرد، قام لاعب من الفريق الأبيض بالتعدي العنيف علي منافسه بدون كرة متعمدا الإيذاء وكان يستحق الكارد الأحمر ولم يعاقب، إضافة للعديد من المخالفات التحميمية الأخري. وأفتي بأن يرسل الفيفا مذكرة للاتحاد القاري (الكاف) يخطره بأن التحكيم المصري (طاقم ساحة وفار) عاجز عن تحكيم المباريات الكبري لاتخاذ اللازم.
بعد انتهاء المباراة عادت يي الذاكرة للماضي الجميل. أيام الدراسة بالمرحلة الجامعية التي لم أكن فيها مغرما أو مهتما برياضة كرة القدم ولا أعرف شيئا عن الفرق المتنافسة بالدوري المصري أو كأس مصر. لكني كنت ألاحظ دائما في كل يوم سبت (كانت المباريات بين النوادي الشهيرة تجري يوم الجمعة) حدوث مناقشات ومشاحنات بين زملاء الدراسة يسودها الحِدة بين مشجعي النادي الأهلي ومشجعي نادي الزمالك، وكنت أنأى بنفسي عن هذه المهاترات التي لا تهمني من قريب أو بعيد وليس لي فيها ناقة ولا جمل.
لكني لاحظت أن حكومة حركة الضباط تشجع وتغذي هذا التعصب الكروي بين الناس حتي تشغلهم عن السياسة بعد تعطيل الدستور وإلغاء الأحزاب، فصارت النوادي هي البديل المنطقي للأحزاب، فانقسم الناس بين أحزاب رياضية بدلا من الأحزاب السياسية التي كانت سائدة قبيل الحركة وأشهرها حزبي الوفد والأحرار الدستوريين، فاستبدلهما الناس بحزبي الأهلي والزمالك. بداعي الفضول بدأت أذهب إلي الاستاد لمشاهدة مباريات الأهلي والزمالك حتي يمكنني ألمشاركة في النقاش الذي يدور بين زملاء الدراسة بعد كل مباراة.
أردت أن أعرف لماذا يشجع أغلبية الناس النادي الأهلي وأقلهم بشجعون نادي الزمالك، فقرأت كتيبات كانت منتشرة عن النوادي، عرفت منها أن النادي الأهلي كان معظم أعضائه ضد الاستعمار الانجليزي والكثير منهم كانوا يقومون بأعمال فدائية ضد المستعمر، لذلك اختار قميصه باللون الأحمر لون الدم، وكان يرأسه عبود باشا أعظم اقتصادي مصري وطني عرفته البلاد. في المقابل بدأ النادي المنافس نشاطه الكروي تحت اسم نادي المختلط يجمع بين المصريين والانجليز كأعضاء للنادي وأيضا كلاعبين واختار قميصه باللون الأبيض وخطين حمر يمثلان اختلاط المصريين بالانجليز. وبعد اتفاقية 1936م التي أنهت الاستعمار ورحّلت جنوده إلي منطقة القنال، أصبح النادي خاليا من الانجليز الذين كان النادي يحتمي بهم، غيّر النادي إسمه إلي نادي فاروق الأول حتي يكون تحت حماية القصر، وحين رُحّل فاروق بعد حركة الضباط إلى كابري غيروا إسم النادي مرة أخرى ألي نادي الزمالك رغم أن مقره بميت عقبة، تمسُحا في عِلية القوم المقيمين بالزمالك، وصار النادي تحت حماية المشير عبد الحكيم عامر شخصيا. حينئذ اخترت النادي الأهلي ليكون فريقي المفضّل ولكن دون تعصب لإيماني بأن لعبة كرة القدم مجرد لعبة رياضية ولابد أن يتصف المشجع الرياضي بالروح الرياضية.
وفي نشأتي الأولي إبان فترة الدراسة الثانوية بصعيد مصر لم أمارس رياضة كرة القدم إلا مرة واحدة "مرغما أخال لا بطل". كان عندنا مباريات للصفوف الدراسية تنتهي بإعلان الصف الدراسي بطل المدرسة في كرة القدم. كنت وقتها بالسنة الخامسة علمي ولم أكن ضمن فريق كرة القدم للصف الدراسي لأنني ببساطة لست مغرما بكرة القدم، كنت في الفريق العسكري للمدرىسة برتبة أُمباشي (شريطين). يوم مبارة صفنا الدراسي مع صف السنة الخامسة أدبي علي نهائي البطولة، إصيب محمد الفخراني الباك رايت لفريق صفنا بالتهاب بزائدته الدودية ونقل إلي المستشفي لإجراء عملية جراحية. كنت بالصدفة في حوش المدرسة بلباسي العسكري فناداني كابتن الفريق وأخبرني بالمشكلة وطلب مني أن أقوم بدور الباك رايت في الفريق. حاولت التنصل من المهمة مؤكدا له أنني لا أجيد اللعب وسأكون السبب المباشر للهزيمة وسأتحمل وحدي عبئها. قال لي باسما: بالعكس سوف تكون السبب المباشر للنصر لأن الفريق المنافس يعلم تماما أنك غشيم ولا تجيد اللعب وسيخاف أي مهاجم الاقتراب منك خاصة أنك سوف تلعب بحذائك (البيادة العسكرية)، فقط عليك الاسراع نحو أي مهاجم ولا تدعه يتقدمك. أمام إلحاحه امتثلت للأمر وارتديت فانلة الفريق ونزلت الملعب. وكان ما توقعه الكابتن، كان أي مهاجم يقترب مني ويري البيادة في قدمي يترك الكرة لي ويجري خائفا علي قدمه وانتصر فريقنا والحمد لله وشكرا للبيادة وتأثيرها.
بعد انتهاء المباراة وتسلم فريقنا كأس المدرسة وحصل لاعبي الفريق علي الميداليات الذهبية وكنت أحدهم. واحتفلنا في الملعب بالنصر مع باقي طلبة المدرسة والمدرسين، بعد ذلك حضرت طابور التدريب العسكري. وفي طريقي للمنزل فوجئت بثلاث من الزملاء بالصف الخامس أدبي يعترضون طريقي ويسددون لي اللكمات والسباب مُتهمينني بالتسبب في خسارة فريقهم، وانتزع أحدهم الميدالية التي حصلت عليها من عنقي، وآخر صوب ضربة قاسية لساقي فصرخت من الألم واستيقضت علي نظرات أم العربي القاسية ولومها لي بسبب حرمانها من النوم الهادئ.