يوسف سيدهم
الأنظار شاخصة والأنفاس محتبسة في متابعة التطورات التي تجري في السودان ومحاولة استيعاب أبعادها في إطار الحرص علي الثورة السودانية من تعرضها لانتكاسة تقضي علي آمال الشعب السوداني الشقيق… والحقيقة أن الروابط التي تربط الشعبين المصري والسوداني ليست مقصورة علي الامتداد الجغرافي لوادي النيل ولا العلاقات التاريخية التي ألفت بينهما عبر قرون, إنما أيضا للتشابه الكبير في معايير العملية السياسية وتطوراتها وتداعياتها… فمن تابع ما حدث في السودان خلال العقود الثلاثة الماضية وما اتصف به من سطوة ديمومة السلطة علي يد عمر البشير وما صاحبها من تنامي تيارات الإسلام السياسي وتوحش جماعة الإخوان المسلمين, الأمر الذي فجر بركان الغضب الشعبي ونزول الملايين إلي الشارع وما تبعه من انحياز القوات المسلحة السودانية إلي الجماهير وإقصاء البشير والخلاص من الإسلام السياسي والإخوان… أقول إن من تابع كل ذلك لن يفوته التشابه الحاد الذي يصل إلي حد التماثل مع ما حدث في مصر بين 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 والذي تعلم منه المصريون أن ليس كل دخول للعسكريين إلي المشهد السياسي يوصف بالانقلاب العسكري علي السلطة المدنية, إنما في الحقيقة هو تدخل حميد لإنهاء بطش السلطة الغاشمة بمقدرات وحريات الشعب الأعزل.
طبعا هذه التفسيرات تبدو غريبة وعسيرة علي الإدراك طبقا لمعايير السياسة الدولية وثوابتها في العالم الغربي حيث تستقر الديمقراطية والحكم المدني وعدم تدخل العسكر في السلطة… لكن يجب أن نعترف أننا نحن المصريين لنا في هذا الشأن اختبارات مختلفة ندين فيها بالفضل لانحياز العسكر لإرادة الشعب وتدخلهم للحيلولة دون الانزلاق في صراعات دموية بين الشعب الأعزل والميليشيات المسلحة, الأمر الذي يدعونا لتفحص ما يجري مؤخرا في السودان للبحث بكل موضوعية وحياد عن إجابة للسؤال: من الذي يختطف ثورة السودان.. المدنيون أم العسكريون؟
فمن السهل جدا أن نتسرع بابتلاع التصريحات القادمة إلينا من الغرب- سواء كانت الإدارة الأمريكية أو المجموعة الأوروبية- والتي تتحدث عن دعم الانتقال الديمقراطي في السودان وحث جميع الأطراف علي تجديد الالتزام بالعمل مع بعضهم البعض لتنفيذ الإعلان الدستوري واستعراض الأزمة السياسية الحالية بالبلاد وسبل الخروج منها… وغير ذلك من العبارات الفضفاضة التي يحار المرء أمامها: هل تعكس تنكرا لأزمة تعصف بالشارع السوداني وتهدد ثورته, أم تعكس نية مبيتة لجر السودان إلي حرب أهلية تمزقه وتؤدي به إلي مزيد من التفتت والانقسام؟… وهنا أعود وأسجل أننا نحن المصريين نعرف تماما أننا يجب ألا نبتلع تلك التصريحات وكيف نفرق بين تدخل العسكر للإنقاذ وبين الاستيلاء علي السلطة.
فعلي الجانب الآخر لا يمكن تجاهل ما يصدر عن الفريق أول عبدالفتاح البرهان قائد الجيش السوداني ورئيس المجلس السيادي الانتقالي في السودان من تصريحات تبرر ما أقدم عليه المجلس السيادي من حل مجلسي السيادة والوزراء وفرض حالة الطوارئ مثل: ما يمر به السودان في الوقت الحالي خطير لأنه يشير إلي انقسام سياسي حاد وإن التكالب علي السلطة والتحريض علي الفوضي دون النظر إلي العصف بالمقدرات الاقتصادية والأمنية من جانب القوي السياسية المتناحرة دفع القوات المسلحة للقيام بما يحفظ للسودان ثورته والانقسامات والصراعات التي تفشت بين مكونات شراكة الحكم تشكل إنذارا خطيرا يهدد البلاد… إذا هناك ما يدفع للتدخل للحيلولة دون خروج الأمور عن حدود السيطرة وانزلاق السودان إلي مرحلة الفوضي والانفلات التي تخطط لها القوي التي تم إقصاؤها عن السلطة بغية العودة للسلطة والانقضاض علي الثورة… وأكرر أننا نعرف في مصر تلك التداعيات تمام المعرفة ونعرف أن وحدة الشعب المصري وثقته المطلقة في قواته المسلحة هي التي أنقذته من ذلك المصير المهلك.
فليمطرنا الرئيس الأمريكي جو بايدن بكل ما يريد من تشدقات ديمقراطية مثل: ضرورة إعادة السلطة إلي الحكومة المدنية في السودان, والولايات المتحدة ستستمر في الوقوف إلي جانب الشعب السوداني ونضاله اللاعنفي ورسالتنا إلي السلطات في السودان واضحة, ينبغي السماح للشعب السوداني بالتظاهر السلمي وإعادة السلطة إلي الحكومة الانتقالية التي يقودها مدنيون, والإفراج فورا عن جميع المعتقلين وإعادة المؤسسات التابعة للحكومة الانتقالية… لكن بايدن لم يتعرض للانقسامات والصراعات التي تفشت بين القوي السياسية في السودان, وتعامي عن انزلاق الشارع السوداني في حرب شوارع قد تصل إلي حرب أهلية تقضي علي الثورة السودانية… ولم لا؟ ألم يرسل باراك أوباما إنذارا صارما إلي الرئيس مبارك في مثل هذه الظروف بترك السلطة فورا لحساب قوي التطرف والتدمير؟.. لكن العناية الإلهية كان لها رأي آخر بالنسبة للمصريين.. فلنصل من أجل سلام السودان وشعبه.