مقدمة
بقلم /ماجد كامل
يحتل عميد الأدب العربي د/ طه حسين مكانة هامة ومتميزة في تاريخ الفكر المصري الحديث فهو صاحب الشعار المعروف (الحق في التعليم كالحق في الماء والهواء ) كما انه ثار ثورة شديدة ضد ثالوث (الفقر – الجهل – المرض ) وكرس كل حياته للقضاء علي هذا الثالوث وفي هذا المقال سوف نعرض لحياته ثم نعرض أهم آرائه وأفكاره
أولا :- حياته :-
ولد طه حسين في 14 /11 /1889 في عزبة الكيلو في مغاغة ؛ أصيب بالرمد في سن الرابعة فكف بصره بسبب ذلك ؛ ووفي سن الصبا نزح إلى القاهرة للدراسة في الأزهر ومع افتتاح الجامعة الأهلية في عام 1908 اهتم طه حسين بالالتحاق بها ودراسة الأدب العربي حتى حصل علي الدكتوراه الأولي وكانت عن "أبى العلاء المعري " سافر في بعثة إلى فرنسا وحصل علي الدكتوراه الثانية من فرنسا وكانت عن "فلسفة بن خلدون الاجتماعية " ثم عاد إلى القاهرة وعمل مدرسا في كلية الآداب جامعة القاهرة ثم عميدا لها وساهم في تأسيس أقسام جديدة بالكلية مثل "الاجتماع – علم النفس – اليوناني واللاتيني – المكتبات …0000 الخ " كما أسس جامعة الإسكندرية وعمل رئيسا لها فترة من الوقت واخيرا عمل وزيرا للمعارف في عام 1950 واصدر قراره الشهير بمجانية التعليم حتى نهاية المرحلة الثانوية ؛ كرمته الدولة فمنحته جائزة الدولة التقديرية في الآداب كما منحته وسام النيل وهو الوسام الذي لا يمنح ألا لرؤساء الدول استمر في الكتابة للصحافة والأحاديث الإذاعية والتلفزيونية حتى وفاته
في 28 / 10 / 1973
ثانيا :- أهم أفكاره :-
أولا :- الإيمان بالحرية والديمقراطية :-
فلقد آمن طه حسين بأهمية تعميق الديمقراطية في النظام السياسي المصري فكان باكورة إنتاجه الفكري بعد عودته من فرنسا هو ترجمة كتاب "نظام الاثينيين " لارسطو وفي مقال شهير له عن الديمقراطية كتب يقول (كيف يسمي الشعب رعية وقد اصبح مصدر للسلطات بنص الدستور ؟ ان الشعب يعتقد انه سيد نفسه ؛ أن الديمقراطية ليست كلاما يقال كلوا فيأكلوا ويأمنوا شر الجوع ؛ وليس يكفي أن يقال للناس تعلموا ليتعلموا ويأمنوا شر الجهل ؛ وانما ينبغي أن يهيأ الطعام علي قدر الطاعمين وان يهيأ التعليم علي قدر المتعلمين) وامن طه حسين أيضا بأهمية التربية السياسية للشعب لتحقيق الديمقراطية فكتب في مقال شهير له بمجلة المصور في 22 / 11 / 1946 يقول فيه (لست ادري إلى أي حد يستطيع هذا الجيل من المصريين المثقفين والذين يتداولون أمور الحكم فيما بينهم أن يرضي عن نفسه في أول واجب عليه أن ينهض به وهو التربية السياسية للشعب فما اكثر ما نتحدث عن الديمقراطية المصرية وما اكثر ما نقول أن الآمة مصدر السلطات وما اقل ما عملنا وما نعمل لتحقيق هذه الديمقراطية ولتعليم الشعب مباشرة سلطته الدستورية وتحقيق سيادته علي نفسه وعلي وطنه من جهة أخرى ) . أما عن الحرية الفكرية فهي القضية الكبرى التي كرس لها معظم فكره وقلمه فلقد تأثر تاثرا شديدا بفولتير فيلسوف الثورة الفرنسية كما تأثر أيضا بديكارت الذي آمن بالعقل كمقياس لكل شيء ؛ فاحب طه حسين العقل ورفعه إلى مرتبة القداسة ؛ ولهذا رسخ طه حسين التقاليد الجامعية القائمة علي حرية البحث العلمي وخاض من اجلها حروب كثيرة لعل من اشهرها و أهمها كتاب "في الشعر الجاهلي" ولقد كتب طه حسين مقالا شهيرا يقول فيه (خطران أولهما الجهل وثانيهما الجمود وكلاهما عقبة كؤود في سبيل الحياة الدستورية أن جمود الشيوخ في مصر شر عظيم ؛وواجب البرلمان هو استئصال الجمود ووقاية الأجيال الحاضرة والمقبلة من شره )
ثانيا :- الإيمان بالعدالة الاجتماعية :-
آمن طه حسين بالمساواة بين جميع البشر ؛ فكتب يقول في إحدى كتبه (ولكن هناك نوع أخر من المساواة لعله أن يكون من أهم هذه الأنواع من المساواة ؛وهو المساواة في القدرة علي الاستمتاع بالحياة ؛المساواة في القدرة علي تجنب الشقاء ؛المساواة في ان نشقي جميعا إذا لم يكن بد من أن نشقي وان ننعم جميعا إذا كان من حق الناس أن ينعموا وألا ينظروا إلى بعض هذه النظرة التي فيها الخوف أحيانا وفيها الحسد أحيانا وفيها الحقد أحيانا وفيها استعداد لاقتراف الجرائم أحيانا أخري ) كما يكتب أيضا عن سمات المؤمن الحقيقي الذي مس الإيمان قلبه وذلك في كتاب شهير له بعنوان "المعذبون في الأرض" فيقول(أن سبيل المؤمن الذي مس الإيمان قلبه حقا ؛ هو ألا يطغي إذا استغني ولا يبطر إذا نعم ؛ ولا ييأس إذا امتحن بالبؤس والشقاء ؛ وألا يؤثر نفسه بالخير أن أتيح له الخير من دون الناس ؛ وانما يعطي الناس مما عنده حتى يشاركوه في نعمائه ؛ويأخذ من الناس بعض مما عندهم حتى يشاركهم في بأساهم ؛فالله لم ينشر ضؤ الشمس ليستمتع به فريق من الناس دون فريق ؛ الله لم يرسل النسيم ليتنفسه طائفة من الناس دون طائفة ؛ والله لم يفجر ينابيع لنشرب منها جماعات من الناس وتظمأ إليها جماعات أخري ؛وانما اسبغ الله نعمته ليستمتع بها الناس جميعا تتفاوت حظوظهم من هذا الاستمتاع ؛ولكن لا ينبغي أن يفرض الحرمان علي أحد منهم مهما يكن شخصه ومهما تكن وظيفته ومهما تكن منزلته بين مواطنيه ) ؛ ويقول طه حسين أيضا في نفس الكتاب
(أن في الأرض جور يجب أن يرتفع عنها ؛ وان في السماء عدلا يجب أن يهبط أليها ) وعن الخوف من انقطاع الرزق عن الموظف كتب يقول (ولست اعرف شيئا يفسد الأخلاق ويملأ الحياة شرا ونكرا كالخوف ؛ ولست اعرف شيئا يصلح الأخلاق ويملأ الحياة والخاصة خيرا كالأمن ) .
ثالثا :- الدعوة إلى تحرير المرأة :-
تعتبر صورة المرأة في أعمال طه حسين مشرقة وجميلة بفضل شخصيتين هما :- والدته وزوجته الفرنسية ولقد اختص بمدحهن باعذب الأوصاف في كتابه الشهير "الأيام" ولقد كان طه حسين هو أول من طالب بإلحاق الفتاة بالتعليم الجامعي ؛ وحين عرض طح حسين علي لطفي السيد مدير الجامعة المصرية وقتها موضوع قبول الطالبات في الجامعة سأله لطفي السيد "هل قانون الجامعة يمنع دخول البنات ؟ فاجاب طه حسين يقول أن الدستور نص أن الجامعة للمصريين ولم يحدد النوع فهي إذن للمصريين جميعا من ذكور وإناث "
وفي مارس 1937 قدم بعض طلبة وطالبات كلية الحقوق بشان الرغبة في إدخال التعليم الديني في الجامعة المصرية ومنع الاختلاط بين الطلبة والطالبات مع إيجاد زي موحد للطالبات في الجامعة فكان رد طه حسين (ان المسالة التي أثيرت أخيرا والتي تتصل باختلاط الجنسين في الجامعة مسالة سخيفة لا اكثر ولا اقل فقد قلت ومازلت أقول أنى لا اعرف في كتاب الله ولا في سنة رسوله نصا يحرم علي الفتيات والفتيان أن يجتمعوا في حلقة من حلقات الدرس حول أستاذ يعلمهم العلم والأدب والفن أذن الجامعة لم تحدث حدثا ولم تخرج عن نص من نصوص الدين ؛ وقد كان الفتيان والفتيات يجتمعون في دروسهم الجامعية في عهد الحكومات الماضية ولم تثر المشكلات التي تثار ألان ولم يتقدم أحد إلى الحكومة في التفريق بين الفتيات والفتيان في دور العلم العالية فهل كان المطالبون بهذا نائمين في العهد الماضي ثم استيقظوا في هذه الأيام ) ولقد قدم طه حسين مذكرة من 5 نقاط نشرت في جريدة المصري في 10 /3 /1937 مضمون الخمس نقاط هو رفض المذكرة التي قدمها طلبة وطالبات كلية الحقوق . وعندما طرحت لاول مرة فكرة انشأ كلية للبنات لاول مرة هاجم طه حسين الفكرة بعنف فكتب مقالا شهيرا بعنوان جامعة البنات كتب فيها يقول (لم يبق ألا أن ننشئ جامعة خاصة للفتيات دون الفتيان ؛ومادمنا لا نريد ألا يختلف إلى الجامعة ألا الفتيات دون الفتيان فقد ينبغي أن نزيد ألا يعمل في هذه الجامعة ألا الأستاذات دون الأساتذة ليكون الفصل كاملا غير منقوص )