قبل ثلاثة أيام أنهى دكتور أجمل عازم، صاحب دار نشر عازم الأفغانية، يومه الأخير في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، كان يزيل اللافتة المُعلقة على حائط الجناح المخصص لدار النشر بالمعرض، لافتة تقول "لا كتب هذه السنة"، حين رأى الجملة التي كتبها بيديه اقتحمته عدة أحاسيس مختلطة، يمتزج فيها الحنين مع الإحباط واليأس وقليل من الأمل الذي استغرب وجوده في تلك اللحظة تحديدًا، حين دارت عينيه داخل الجناح الخالي من الكتب.
تُعتبر دار نشر عازم الوحيدة التي تُشارك في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب من دولة أفغانستان، وذلك هو العام السابع لها داخل معرض فرانكفورت، كما يذكر دكتور عازم لموقع مصراوي عبر الواتساب، "وكنا نعرض أحدث الكتب المطبوعة الأفغانية التي تضمنت حوالي 350 إلى 400 عنوان جديد".
لكن هذا العام كان مُختلفًا على نحو سيء بالنسبة لدكتور عازم، فقد اضطر لأن يلقي أوامره بوقف عمل دار النشر قبل ثلاثة أشهر، حين عادت حركة طالبان للحكم في 15 أغسطس الماضي، وقبلها غادر عازم أفغانستان إلى كندا "بسبب التهديدات الخطيرة التي نعرفها عن طالبان".
فقد كان لتولي طالبان سدة الحكم في أفغانستان في الفترة بين عامي 1996 إلى 2001 أثر سيء على الأفغان، خلال تلك الفترة لاقى الشعب الأفغاني تضييقًا شديدًا من قِبل طالبان التي تفرض نمطًا متشددًا على المواطنين.
ورغم مُغادرته لأفغانستان وتوقف دار النشر عن العمل، لكن دكتور عازم أراد أن يُوصل رسالته "رغبت أن أظهر للعالم أننا ربما الدولة الوحيدة حيث الكتب ليس لها أدنى قيمة، لذلك قمنا بتصميم منصتنا كرمز".
لم يعد بإمكان مطبوعات عازم إنتاج الكتب، أو حتى نقلها خارج أفغانستان، فقد أغلقت مستودعاتها على 1.5 مليون كتاب حزين وحائر فيما يمكن أن يكون دوره الآن، ومع عودة طالبان فإن سوق النشر في أفغانستان قد توقف تمامًا.
بدأت صناعة النشر في أفغانستان عام 2001، بحسب حديث دكتور عازم فإن أول مطبعة بدأت في العمل كانت في ذلك العام، وعلى مدار العشرين عامًا الماضية تم إنشاء أكثر من 150 مطبعة، وحوالي 70 دار نشر، وأكثر من 1000 مكتبة، وتم نشر ما بين 600 إلى 1000 كتاب جديد سنويًا، بما في ذلك الكتب المترجمة من لغات أجنبية.
القصة تبدو حزينة جدًا بالنسبة لدار عازم، حيث فَقَد حوالي 110 موظف بالدار عمله، كما توقفت عن طباعة الكتب بعدما كانت تطبع حوالي 40 ألف كتاب يوميًا، كذلك فإن المؤلفين التي تعاقدت معهم الدار يواجهون مشاكل اقتصادية خطيرة، كما يقول دكتور عازم، "ومئات الأشخاص من بائعي الكتب في مقاطعات مختلفة من أفغانستان فقدوا وظائفهم، تلك صورة جديدة وحقيقية للأسف للمجال الثقافي في أفغانستان"، كل ذلك توقف بالنسبة لدار عازم بسبب الخوف من طالبان التي لا تتيح حرية الطباعة، كما أن سوق النشر الذي كان يعتمد على استيراد الكثير من مواد الطباعة من الصين وإندونيسيا والهند وأوروبا توقف، لأن طالبان لن تسمح بذلك بعد الآن "ولا تتيح طالبان سوى الاستيراد من باكستان التي تتيح مواد الطباعة بجودة منخفضة".
صحيح أن دكتور عازم غادر أفغانستان، لكن قلبه لازال معلقًا بها، فالعديد من الأسئلة تشغل رأسه "كيف سيتم منح المجتمع الأفغاني الذي هو في أمس الحاجة إلى المعرفة والتعليم الوصول إليها الآن؟ كل هذه الأسئلة تُركت بلا إجابة"، كما أنه يعتقد الآن أن السياسة هي التي تُقسّم
الناس وتثير الكراهية بين الأمم.
رأى دكتور عازم بعينيه كمّ التعاطف والتأثر الذي شعر به زوار معرض فرانكفورت، فقد تفاعل عديدون مع اللافتة المُعلّقة؛ الصدق كان واضحًا في أعينهم الدامعة "رأيت دموع ألماني ونمساوي وكندي وفرنساوي وبرازيلي وتركي وإيراني ودموع أفغان".
ويبدو أن الحُب والإحساس بالواجب يفعل الكثير؛ لأن دكتور عازم لن يترك العمل في مجال الكتب على الرغم من مشاعر الإحباط التي تجتاح صاحب دار النشر الأفغانية "هذه حياتي وهذا حبي، يجب أن أستمر لأن شعب بلدي بحاجة إلى الكثير".