يوسف سيدهم
منذ شهر وبتاريخ 26 سبتمبر الماضي كتبت تحت عنوان التجارة الإلكترونية تزيح التجارة التقليدية من السوق حيث تناولت ظاهرة متنامية في بلادنا تعيد تشكيل العلاقة التقليدية بين المستهلك والسلعة والبائع… فبعد أن كان الثلاثة يلتقون في الأسواق ويكون التعامل بينهم مباشرا, أصبحوا يلتقون عبر قنوات التواصل الإلكتروني بفضل الأدوات التكنولوجية الرقمية حيث يتجول المستهلك في الأسواق ويتفحص السلع ويقارن بين البدائل ويستقر علي ما يريد شراءه ويحرر مستندات الشراء والسداد إلكترونيا… كل هذا وهو قابع في مكانه لم يتحرك… وتأتي إليه السلعة ليتسلمها في مكانه أيضا.
تطرقت إلي ذلك المجال التسويقي الآخذ في الزحف مغيرا طبيعة السوق ومسلطا الضوء علي ما سوف يصاحبه من تغييرات هي حتما قادمة لا محالة عندما تتراجع الأنماط التقليدية للمحلات التجارية والمولات بكل ما تشتمله من وسائل عرض وجذب وإبهار وترغيب لتتحول إلي مجمعات ضخمة لمخازن السلع تعج فيها الحركة الآلية بين الوارد والمنصرف وتخرج منها السلع في رحلات التسليم للمشترين دون أن تطأها أقدام المستهلكين… وكان الحدث الذي دعاني لطرح ذلك هو دخول عملاق التجارة الإلكترونية في العالم أمازون إلي السوق المصرية إيذانا بقفزة هائلة سوف تشهدها السوق في هذا المجال عبر نحو خمس عشرة محطة توزيع وتوصيل وتسليم علي مستوي الجمهورية توفر ما يزيد علي ثلاثة آلاف فرصة عمل.
لكن تلك الطفرة العملاقة في عالم التجارة الإلكترونية تتضاءل فيما يخص فرص العمل التي أعلنت عنها إذا أخذنا في الاعتبار الحاجة الملحة للاقتصاد المصري لخلق ما يزيد علي ثلاثة أرباع المليون من فرص العمل سنويا لاستيعاب الشباب الداخل إلي سوق العمل… وهنا تبرز وسيلة جديدة لفرص العمل مرتبطة بمجال التسوق الإلكتروني تستوعب مئات الآلاف من الشباب وآخذة في الانتشار والاتساع هي صناعة الدليفري أي عملية توصيل المشتروات إلي المستهلك والتي يتولاها شباب يركبون الدراجات البخارية المثبتة عليها صناديق -أو ثلاجات- تحمل أسماء وعلامات سائر المحلات التجارية ومراكز البيع لجميع السلع والأنشطة… أولئك الشباب بدراجاتهم البخارية باتوا ظاهرة ملموسة حيث يمرحون في شوارعنا يصولون ويجولون بين السيارات -بسرعة وأحيانا كثيرة بانفلات!!- في شبه سباقات لتسليم المشتروات والطلبات والبضائع للمستهلكين علي امتداد ساعات النهار والليل وعبر جميع أيام الأسبوع, وهو ما اصطلح علي تسميته 7/24.
صناعة الدليفري آخذة في التمدد لتغطية سائر الاحتياجات اليومية المباشرة في حياتنا, من مواد أساسية شتي متوفرة بالأسواق- مواد غذائية ومشروبات ومستلزمات طهي ومستلزمات تنظيف وبقالة ومعلبات, هذا بالإضافة إلي جميع أنواع المأكولات الجاهزة والوجبات السريعة, علاوة علي عالم الصيدليات والأدوية ومستحضرات التجميل… وغيرها… وغيرها… صناعة الدليفري لم تترك مجالا إلا واقتحمته بما يعكس طموحا واعدا لدي الشباب للعمل, حتي إننا بتنا نسمع عن شركات تعلن عن نفسها وتعرض أن تتولي نيابة عن المستهلك شراء جميع احتياجاته من الأسواق بغض النظر عن تنوعها وتقوم بتوصيلها إليه في مكانه.
وفي هذا الإطار أتطلع لأن يتولي أحد مراكز الرصد والإحصاء في بلادنا دراسة صناعة الدليفري وعدد الشباب العامل بها والقائم عليها ونسبة النمو التي تشهدها حتي نتبين أهمية هذه الصناعة والرصيد الإيجابي الذي أضافته إلي سوق العمل.
صناعة الدليفري دليل حي علي سيادة القانون الأزلي للسوق: قانون العرض والطلب, وفي حالتنا هذه أصبح معكوسا فهو قانون الطلب والعرض.. الطلب يتمثل في الاحتياجات الجديدة للمستهلك والوسائل التكنولوجية التي تتيح تلك الاحتياجات, والعرض يتمثل في الاستجابة من جانب السوق لتلبية الاحتياجات.. كل الاحتياجات.. وأي احتياجات.
وبمناسبة أي احتياجات اسمحوا لي أن أقدم لكم واقعة طريفة تم تداولها مؤخرا علي وسائط التواصل الاجتماعي للتدليل علي أن أي شيء أصبح ممكنا إتمامه عن طريق الدليفري… المشهد عند باب مسكن أحد الشباب حيث يدق جرس الباب وعندما يفتح صاحب المسكن يجد أمامه شابا ضخم البنيان مفتول العضلات يرتدي زي شركة من شركات توصيل الطلبات والخدمات الدليفري… وقبل أن يتبين صاحب المسكن الأمر يفاجأ بعامل الدليفري يوجه له صفعتين مدويتين علي وجهه وقبل أن يفيق من الصدمة يقول له: تفضل بالتوقيع هنا.. هذه الخدمة مطلوب منا توصيلها لك مرسلة من خطيبتك السابقة!!!… أرجو المعذرة… لكني أردت التدليل علي النمو الهائل وغير المحدود للتجارة الإلكترونية ومعها صناعة الدليفري وكيف يغيران بسرعة متنامية طبيعة التسوق بين الأمس واليوم وغدا.