بقلم : الدكتور مجدى شحاته
ارجع بذاكرتى الى الوراء لاكثر من خمسون عاما ، حينما كنت فى حوار مع استاذى الكريم الفاضل والعالم الجليل رحمه الله واحسن اليه ، عميد الكلية التى كنت أعمل بها بجامعة الاسكندرية ، معيدا فمدرسا ثم استاذا. وخلال حوار الذكريات مع استاذى الذى أكن له كل الاحترام والتقدير، اتذكر نصيحة غالية لم أعلم بقيمتها وصدقها وحقيقتها الا بعد عشرات السنين ... كثيرا ما تراودنى طوال هذه السنوات الطوال لم ولن انساها ... حيث قال لى : " تذكر يبنى ... الوقت أغلى ما يملك الانسان فى رحلة العمر ، الوقت ينقضى بسرعة اكثر مما نتخيل ، كذلك العمر ، ولا يدرك الانسان قيمة الوقت الا بعد فوات الاوان ، لذلك ينبغى على كل انسان عدم اهدار الوقت ، والاستفادة بكل لحظة من لحظات العمر بما هو مفيد له وللغير ." وكثيرا ما اردد تلك النصيحة لكل اصدقائى وابنائى وأحبائى .. وبكل الصدق والامانة رايت ان من واجبى ان انقل تلك النصيحة الغالية لكل من يقرأ تلك السطور.. كما تعلمتها من ُمعلمى
يقولون " الوقت من ذهب " ، والحقيقة ان الوقت ربما يكون اغلى من الذهب ، فهو الحياة نفسها ، خاصة وان العالم يعيش فى زمن عرف بعصر السرعة !! . الوقت يمر سريعا أكثر مما نتصور . وكثيرا ما نتساءل كيف مرت الايام والسنين بهذه السرعة ؟ وكلها من رصيد عمر الانسان ، أطال الله أعماركم بالصحة والعافية وراحة البال .
من الجيد بل من الضرورى فهم وادراك القيمة االحقيقية للوقت ، الامر الذى يدفعنا لكى نسعى بكل الجهد والامانة ونجعل حياتنا اكثر تنظيما ونفعا لنفسك وللغير. الوقت سريع الانقضاء ، ولايمكن للانسان استعادته او ارجاع جزء منه ولا يمكن شرائه او بيعه او استئجاره !! لذا وفق لنصيحة استاذى سابقة الذكر، أرى ان العمل على ترتيب اولوياتنا وتحديد اهدافنا ، وجدولة كافة الاعمال والانشطة اليومية للحصول على اعلى عائد روحى ومادى ونفسى واجتماعى ، هو نوعا من انواع الفنون فى حياة البشر ...
انه " فن ادارة الوقت " . من الغريب ان الانسان كثيرا ما يشكو من ضيق الوقت وقصره ، وان السنين والايام تمضى بسرعة . فى نفس الوقت كثيرا ما يتصرف الفرد فى حياته كما لو ان حياته ستمتد بلا نهاية !! والمعلوم ان عدد ساعات اليوم الواحد هو أربع وعشرون ساعة ، وهم نفس عدد الساعات الى كان كافيا للعلماء والباحثين والعباقرة فى كافى المجالات من تحقيق العديد من انجازاتهم ... وهو نفس الوقت الذى يشتكى منه البعض انه ممل ويبحثون عن وسائل وطرق لقضاء ساعات اليوم باى وسائل ربما لا قيمة لها ولا نفع وهو امر غيرمنطقى لذلك لابد من استثمار وقتنا واستغلال المهارات التى يمكن ان تغير نمط حياتنا فى اطار الوقت المتاح لنا . من هذا المنطلق ، فان وقت الانسان الحكيم يحتاج الى حسن الادارة ودقة التنظيم . فالوقت كما سبق ذكره...
ماض بلا توقف ولا يمكن تبديله او استرجاعه ، سواء كنت متيقظا أو نائما ، صحيحا او مريضا . صغيرا او كبيرا ، فقيرا او غنيا ، فعقارب الساعة لن تتوقف والزمن يمضى رضينا او أبينا .
لذا فان ادارة الوقت ، فن لابد من اتقانه فهو من الامور الهامة بل والخطيرة والحرجة . ولنأخذ تقنية "الانترنيت " كمثال لادارة الوقت وحسن استخدامه . ذلك الاكتشاف المذهل الذى غير نمط حياة البشرتغيرا كاملا. هذا الاعجاز العلمى فى عالم الاتصالات ، يلعب دورا مهما بل وخطيرا فى أوقات الناس .
ممكن ان يكون هذا الدور دورا ايجابيا فى توفير الوقت بصورة كبيرة .على سبيل المثال فى مجال الاتصالات يمكن تجميع كميات عظيمة من المعلومات أوالبيانات اوالبحوث من كافة انحاء الارض ، وان ما كنا ننجزه فى شهور وربما سنوالت طويلة ، يمكن لنا ان نحققه فى دقائق قليلة وانت فى مكانك ! وعلى الجانب الاخر هناك الملايين من الناس يضيعون اوقاتهم بمعنى أصح يقصرون أعمارهم بقضاء ساعات وساعات من خلال صفحات التواصل الاجتماعى . ويتحول الانترنيت من وسيلة مذهلة لتوفير الوقت ، الى سلاح مدمر لقتل الوقت والعمر، فى تفاهات ومهاترات معثرة بل ومدمرة ! . أعرف البعض ، يقضون ما يقرب من ستة ساعات كاملة امام شاشة الانترنيت ،( كوسيلة لاضاعة واستهلاك الوقت ) وبحسبة بسيطة نجد ان هؤلاء يكونوا قد قضوا حوالى ثمانية عشر سنة من عمرهم امام الشاشة الصغيرة عند بلوغهم السبعين من العمر . نعم خسروا ربع عمرهم سجناء الانترنيت !!
اذا كنا نتكلم عن الوقت وأهميته فى حياتنا العملية ، لابد لنا ان نتكلم عن الوقت الذى ينبغى لنا ان نكرسه او نخصصه الى الله الخالق سواء على المستوى الشخصى او الجماعى ، وان نضع فى الاعتبار ان نركز اهتمامنا على ما هو أبدى ، وليس مجرد المتع الوقتية فى هذا العالم الزائل المنقضى ، فاذا كانت حياتنا على الارض بمثابة موسم الزراعة ، فان موسم الحصاد سيكون فى الاخرة ، وان الوقت وزنة ثمينة غالية وهبها الله للانسان ، سيحاسب عليها كل انسان كيف استثمر هذه الوزنة الثمينة الغالية خلال فترة حياته على الارض .