الأقباط متحدون - صندوق لغنائم مكافحة الفساد !
أخر تحديث ٠٣:٢٤ | الأحد ٢ سبتمبر ٢٠١٢ | ٢٧مسرى ١٧٢٨ ش | العدد ٢٨٧١ السنة السابعة
إغلاق تصغير

صندوق لغنائم مكافحة الفساد !

بقلم : مدحت بشاي 
بصرف النظر عن الحكاية "العبيطة" التي أثارها البعض في لجنة وضع الدستور " بولا / البرهامي " حول ضرورة خضوع الكنيسة المصرية للرقابة الحكومية المالية " وهي لعبة إخوانية ساذجة لمقابلة المطالبة بخضوع جماعتهم للرقابة مثلها مثل أي جمعية خاضعة لقوانين الجمعيات الأهلية ، فلما فشلوا في الرد اخترعوا إثارة تلك الزوبعة الغير منطقية ، فكيف لنا أن نقارن كنيسة ( مؤسسة دينية عتيدة ) بجماعة محظورة بقرار من مجلس قيادة الثورة ، وتؤكد إدارة الكنيسة    أنها مؤسسة خاضعة بالفعل للدولة من خلال هيئات موجودة بحكم قرارات من رئيس الجمهورية ، مثل هيئة الأوقاف القبطية والمجلس الملى العام والمنوط بهما  إدارة أموال الكنيسة وفق القواعد المعمول بها فى الدولة وكذلك الرقابة عليها ( إيرادات ومصروفات ) ، أقول بصرف النظر عن تلك الحماقات فإنني أنتهز الفرصة لأُذكر المؤسسات الدينية بما طالبت به على مدى أكثر من عشر سنوات ،أن توجه فائض التبرعات والهبات والنذور للشباب العاطل ليتولوا خارج المؤسسات الدينية إقامة مشروعات صغيرة عبر شركات أو جمعيات خاضعة لمراقبة الدولة وكفاية رخام وتكييف مركزي وثريات من أوروبا لكنائس ومساجد بلد متخلف يتضور جوعاً أكثر من نصف سكانه ، إنني أرى فقراء يخجلون دخول الكنائس والمساجد سبع نجوم ويشعرون بغربة ، لايمكن تصور الشيخ الإمام والكاهن الراعي وهو يمارس البيزنيس .. ارحمونا باسم كل التعاليم الدينية يا أصحاب العمامات السوداء والبيضاء !!
 
في موضوعية وهدوء ودون إطلاق عناوين وكليشيهات حنجورية على طريقة الصحف إياها التي تستهدف الإثارة  والإثارة فقط ، بادرت آخر ساعة منذ 3 سنوات بفتح ملف أموال الزكاة وهو أحد الملفات الهامة التي تفجر قضية لا يتم الاقتراب منها كثيراً باعتبارها من الأمور المتعلقة في أحد جوانبها باجتياز مناطق تتسم ببعض الحساسية لارتباطها بمؤسسات ورجال يقومون على أمر تنظيم وإدارة وإقامة الشعائر والعبادات ، وكان سؤال الملف الرئيسي .. أين تذهب أموال الزكاة ؟
والحقيقة أن المواطن المصري مسلماً كان أو مسيحياً قد عُرف عنه الميل الفطري إلى حالة من التدين الوسطي الجميل والاندفاع نحو عمل الخير وبذل العطاء بكل أشكاله وألوانه في إطار الالتزام بتعاليم الأديان ، وأيضاً حث الدعاة والوعاظ .. قد تختلف المسميات والوسائل .. فإذا كانت هي زكاة عند المسلم فهي العشور عند المسيحي ( والعشور تعني أن يصل حجم هبات الفرد إلى 10% من مجموع دخله الفعلي ).. لقد تلاحظ ازدياد حجم العطايا في المساجد والكنائس نظراً لزيادة أعداد البشر وأيضاً لتنامي الحالة الدينية ( حتى إذا كان تنامياً يبدو في بعض الأحيان مردوده لأسباب قد تكون في إطار مظهري وتدين شكلي ) ..
 
جاء في ملف آخر ساعة " لقد وصل حجم أموال الزكاة في مصر إلى رقم 20 مليار جنيه ( منذ 3 سنوات ) ، وإذا ما تم إضافة حجم أموال العشور والهبات المسيحية وهي تمثل أيضاً في اعتقادي رقماً لا بأس به ، وأيضاً المساعدات الاجتماعية التي تخصصها الدولة لتقديم المعونات والمساعدات النقدية والعينية للفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة ، وأيضاً ما تعلن عنه المئات من الجمعيات الأهلية من أموال ومساعدات تخصصها لعمل الخير.. فهل لنا أن نتصور الرقم الإجمالي .. إنه بالقطع رقم رائع وكفيل على الأقل لمواجهة مشكلتي أطفال الشوارع والتسول على أرصفة المحروسة وعلى أبواب المساجد والكنائس في ظاهرة رذيلة وقبيحة  ..
 
وعن ظاهرة التسول في عدد آخر ساعة بتاريخ 4/12/1938 أي منذ أكثر من 74 عاماً يذكر كاتبنا الكبير توفيق الحكيم في مقال له بعنوان " الشحاذون " يقول : الحياة في مصر لهو في لهو، وتعطل إلى جانب تعطل ، وفراغ إلى جانب فراغ .. الجميع من شبان وسياسيين ، وقادة ومقودين ، لا عمل لهم غير التطلع إلى خيول المناصب الحكومية الخشبية وهي تدور ! وهذا الروح العام قد أثر في روح الشعب كله ، فنحن لا نكاد نرى طرقات مصر خالية من أناس أشداء يتطلعون إلى موائد المقاهي ، ويمدون أيديهم يطلبون شيئاً ، لقد سرت روح البطالة والسؤال في كل طبقات الشعب ، الجاهل منها والمتعلم ، وكدنا نعتقد أن مصر قد نسيت أن في الوجود شيئاً يُسمى العمل والكدح والاعتماد على النفس ، وأن مصر أصبحت بلداً تخفق عليه راية التسول العام ، وهنا الخطر الداهم ، ولا أبالغ إذا قلت أن روح " الشحاذة " موجودة في كل نفس مصرية في الوقت الحاضر، فالوزير الذي تسول طويلاً في انتظار منصبه لا يكاد يدخل مكتبه كل صباح حتى يرى هو الآخر أفواج المنتظرين من أصحاب السؤال يمدون أيديهم ليعطيهم مما أعطاه الله ، فيثقلون كاهله بطلبات النقل أو التعيين أو الترقية أو العلاوة أو إلغاء عقوبة أو التماس منحة ، ويضيع الجزء الأكبر من عمل الوزير اليومي في التخلص من هؤلاء السائلين .. وتمكنت هذه العادة المرذولة إلى حد نرى معه بعض الناس ينتظرون حتى يسألوا جيرانهم الجرائد ليقرأوها شحاذة وإلى حد أرى معه أنا المؤلف كل يوم من يسألني نسخة من كتبي شحاذة ولا أستطيع أن أجلس في مكان حتى أسمع من حولي أصوات الإلحاح في سؤال شيء من الأشياء .. حقيقة أن الحياة في مصر أصبحت لا تطاق ، فإما أن يتغير هذا الروح العام ، وإما أن نيأس ونحكم على هذا الشعب أقسى الأحكام .. كان هذا بعضاً من معاناة توفيق الحكيم من آفة التسول الرذيلة منذ 70عاماً ، وأظن أن معاناتنا لازالت قائمة .. فهل من حلول تتضافر في صياغتها كل قوى المجتمع ومؤسساته ؟ ..
 
للأسف أننا أصبحنا نشجع رذيلة التسول بدلاً من السعي والعمل الدائم على إعمال نظم وآليات توفر العدل الاجتماعي ، بدلاً من مظاهر أتفق على رفضها مع الكثيرين .. على سبيل المثال إقدام الجامعات على إنشاء برامج متميزة في الجامعات للأثرياء ويطلب من المتفوقين شهادات فقر للالتحاق بها لتسول الحق في التعليم .. أو دفع مصاريف المدارس لبعض الفقراء على أن يعترف فلذات الأكباد بفقر أسرهم وضيق ذات اليد في انكسار في تشجيع على ممارسة عادة التسول المقيتة .. بل وصل الأمر للتسول بأطفال مرضى السرطان بعرض آلامهم وتصويرهم في إعلانات دعائية بعد أن ذهب المرض بشعر رؤوسهم بمتاجرة وعمل غير تربوي وغير إنساني لطلب المساعدة أو بناء مستشفي ..
 
وفي جامعاتنا أيضاً يفتتح وزير التعليم العالي ورؤساء جامعات عبر عشرات السنين الماضية معارض للملابس لفقراء الطلاب في مشهد مهين وتمييزي عند توزيعها ، ولا يدركون بشاعة ما يفعلون لدرجة استدعاء كل أجهزة الإعلام بادعاء رعاية الجامعة للفقراء لمتابعة المشهد ، مع أن هناك وسائل أخرى كثيرة داعمة دون تعرضهم للدخول في مشاهد غير كريمة للتسارع على الحصول على قطعة ملابس وحفزهم على تسول احتياجاتهم ..
لقد وصل الأمر بالبعض إلى الدعوة إلى إقامة موائد الرحمن طوال العام .. المقترحات كثيرة بدعوى دعم سبل التكافل الاجتماعي ، بينما هناك للأسف متاجرة في أحيان كثيرة بمشاكل وظروف الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة .. 
 
نشر مؤخراً أن ثروة صفوت الشريف وعائلته تقدر بــ 29 مليار جنيه وهو وغيره في ليمان طره صدر ضدهم عشرات الأحكام ، والسؤال لماذا لاتضع الدولة يدها ( على الأقل على نصف ثرواتهم ) بعد ثورة قامت من أجل خلعهم ومعاقبتهم بعد تقديم قرابين الفداء على مذابح الحرية ، بينما نحن نتسول من دول العالم شرقاً وغرباً ، لقد تناولت وقبل قيام الثورة في كتاباتي أن تذهب أموال من فسدوا وأفسدوا ،و التي تضع الحكومة يدها عليها عبر الآليات الرقابية في قضايا المخدرات والرشاوي والعمولات وغيرها إلى حساب صندوق مالي جديد يمكن أن نطلق عليه " صندوق غنائم مكافحة الفساد " يتم الصرف من إيراداته على سكان العشوائيات والفقراء بدلاً من عودتها إلى ميزانية الدولة التي يمكن أن تهدرها عبر مناقصات مشبوهة وفواتير مضروبة وغيرها في دائرة الفساد الجهنمية ، وقد وصلتني عشرات الرسائل المؤيدة للفكرة والتي قد يراها البعض مجنونة ، ولكن ألا يرى هؤلاء أن ظاهرة التسول وحال الفقراء في بلادي قد تذهب بنا إلى حالة أكبر من الجنون بعد أن باتت تمثل وتشكل خطراً على السياحة والاقتصاد والأمن العام ؟

medhatbe@gmail.com

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter