فاروق عطية
1ـ حقيقة تم جلاء آخر جندي بريطاني من القاعدة البريطانية بمنطقة القنال في 18 يونيو 1956م طبقا للإتفاقية الموقعة في 19 أكتوبر 1954م، ولكن هذا لا يعني أن عبد الناصر هو الذي حقق الاستقلال لمصر. قام عبد الناصر بانقلابه ومصر دولة مستقلة ذات سيادة باعتراف دول العالم والأمم المتحدة بناء علي معاهدة 1936م التي وقعت في 26 أغسطس 1936م بين مصطفي النحاس باشا وأنتوني إيدن بقصر الزعفرانة، وجاءت هذه المعاهدة بعد وفاة الملك فؤاد وارتقاء الملك فاروق للعرش.
بمقتضى بنود المعاهدة كان على بريطانيا سحب جميع قواتها من مصرعدا القوات الضرورية لحماية قناة السويس وعددها عشرة آلاف فردا، وعلي بريطانيا إمداد وتدريب الجيش المصري والمساعدة في الدفاع عنه في حالة الحرب، من حق مصر بعد مرور20 عاما من تنفيذ المعاهدة مطالبة بريطانيا بسحب قواتها من منطقة القنال بعد قدرة الجيش المصري على حماية حرية الملاحة في قناة السويس وسلامتها، فإذا قام خلاف بينهما يجوز عرضة على عصبة الأمم المتحد. مع تصاعد التوترات في أوروبا فضلت المعاهدة الحفاظ على الوضع الراهن رغم عدم ترحيب الوطنيين بها. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وفوز حزب الوفد في الانتخابات البرلمانية 1950م وتعنت بريطانيا في مباحثات الانسحاب من قاعدتها بالقنال ألغت حكومة الوفد المعاهدة من جانب واحد في أكتوبر 1951م، ثم بدأ النضال يشتعل مرة أخرى ولكن هذه المرة نضال مسلح. نري من ذلك أنه لو لم يقم أو ينجح الانقلاب لتم جلاء القوات البريطانية قبل التاريخ الذي وافق عليه عبد الناصر بسنوات، أو على الأقل في نفس التاريخ حسب بنود اتفاقية 1936م نفسها.
2ـ أعلن عبد الناصر فى 26 يوليو 1956م تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية في خطابه بميدان المنشية بمدينة الاسكندرية بعد رفض البنك الدولى (بدعم أمريكي بريطاني) تمويل بناء السد العالى، وكان هذا القرار بمثابة الشرارة الأولى فى تحدى إنقلاب 23 يوليو للإمبراطوريات الاستعمارية، خاصة البريطانية والفرنسية التي كانت تسيطر على معظم الدول الإفريقية والآسيوية، ومع فشل الضغوط الدبلوماسية على مصر للعدول عن قرارها قررت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وضع خطة لاستخدام القوة العسكرية ضد مصر آملين بذلك تحقيق مصالحهم من تلك الضربة. في 29 اكتوبر 1956م هبطت قوات إسرائيلية في عمق سيناء واتجهت إلى القناة لإقناع العالم بأن قناة السويس مهددة، وفي 30 اكتوبر أصدرت كل من بريطانيا وفرنسا إنذاراً يطالب بوقف القتال بين مصر وإسرائيل، ويطلب من الطرفين الانسحاب عشرة كيلومترات عن قناة السويس، وقبول احتلال مدن القناة بواسطة قوات بريطانية فرنسية بغرض حماية الملاحة في القناة وإلا تدخلت قواتهما لتنفيذ ذلك بالقوة. أعلنت مصر رفضها احتلال إقليم القناة، وفي 31 أكتوبر هاجمت الدولتان مصر وبدأت غاراتهما الجوية على القاهرة ومنطقة القناة والإسكندرية.
أصدر عبد الناصر أوامره بسحب القوات المصرية من سيناء إلى غرب القناة، وبدأ الغزو الأنجلو فرنسي على مصر من بورسعيد التي ضُربت بالطائرات والقوات البحرية تمهيداً لعمليات الإنزال الجوي بالمظلات. ومع المقاومة الشعبية الباسلة ومساندة الدول العربية بوقف تصدير البترول وتحرك دول العالم ضد الاحتلال خاصة الولايات المتحدة، واتخاذ الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها بوقف القتال والإنذار الروسي، أدي هذا لوقف التغلغل الأنجلو فرنسي وقبول وقف العدوان ابتداء من 7 نوفمبر، تلاها دخول قوات طوارئ دولية تابعة للأمم المتحدة، وانسحاب قوات الدولتين في 22 ديسمبر من بور سعيد. وفي 11 مارس أعلن وزير الخارجية الأمريكية أن خليج العقبة يعد مياه إقليمية لا يحق لأي دولة منع المرور الحر في الخليج والمضايق.
وفي 16 مارس 1957م أتمت القوات الإسرائيلية انسحابها من سيناء، وتواجدت قوات الأمم المتحدة علي حدود مصر الشرقية وجزيرتي تيران وصنافير بموافقة مصر لحماية حرية الملاحة بخليج العقبة. بهذا القرار الأحادي المتسرع الغير مسؤول، عرّض عبد الناصر البلاد للغزو والتدمير وانسحاب الجيش من سيناء بدون تخطيط وتنظيم مُؤديا لإبادة الكثير من قواتنا وفقد مصر سيطرتها علي مضيق تيران، واعتبار خليج العقبة مياه دولية أعطي لإسرائيل حق المرور الذي كانت محرومة منه منذ قيامها، كما أدى العدوان لإغلاق القناة لمدة ثمان سنوات.
بنظرة لتاريخ إنشاء القناة نرى أن دي لسيبس قد حصل على موافقة محمد سعيد باشا بحفر قناة السويس وحق تشغيلها لمدة 99 عاما. تم افتتاح القناة في 1869م. في عام 1905م حاولت الشركة تمديد حق الامتياز 50 عاما إضافية إلا أن تلك المحاولة لم تنجح. معني ذلك أن القناة كانت ستعود لمصر دون تلك التضحيات في عام 1966م.
3ـ أنهاء الانقلاب على الملكية إنهى سيطرة أسرة محمد علي على حكم مصر، ولكنه للأسف أنهى معه الديمقراطية البرلمانية والليبرالية ورسخ سيطرة حكم الفرد الاستبدادي وتكميم الأفواه مما أدي بمصر للتقهقر للخلف عن ركب الحضارة عشرات السنين.
4ـ إنهاء سيطرة الإقطاع على الحكم بقانون الإصلاح الزراعي وتحديد الملكية بـ 100 فدان. في ذلك مغالطة فجة لأن الإصلاح الزراعي قد بدأ قبيل الانقلاب، وكان الملك فاروق المفترى عليه هو من بدأ في عام 1948م في إصلاح الأراضي البور علي نفقته الخاصة، وكان لفلاحي كفر سعد بمحافطة دمياط نصيبا كبيرا فيما أطلق عليها قديما "تورتة فاروق" حيث قام جلالته بتوزيع الأرض على الفلاحين فى تلك القرية حيث أُعطيت كل أسرة خمسة أفدنة من أراضي الدولة المستصلحة دون المساس بحقوق وملكيات ملاك الأراضى الآخرين وكان عدد الأسر المستفيدة 600 أسرة، كما قام بتوزيع بقرة ومنزل مكون من طابقين على كل أسرة، شرط أن يتوافر فيه صفات محددة للحفاظ على خصوبة التربة ومعدل إنتاجها، وتم إصدار عُملة بهذه المناسبة الوطنية، كما أهدي ثلاث أسر من المنتفعين كل منها 50 جنيها تم اختيارهم بالقرعة.
لم تحلّ قوانين تحديد الملكية مشكلة المعدمين الزراعيين، الذين بلغت نسبتهم قبل الانقلاب نحو 44 بالمائة، وفي عام 1965م انخفضت إلى 40% ثم ارتفعت عام 1972م إلى 45 %، ووصلت في نهاية الثمانينيات إلى 60 % من جملة سكان الريف. كما لم ينجح الإصلاح الزراعي في تحسين وتطوير قوى وعلاقات الإنتاج في الريف المصري إلى الحد الذي كان متصورا حين صدرت قوانين الإصلاح الزراعي. وكان علي حكومة الانقلاب أن تحذو حذو الفاروق في استصلاح الأراضي البور والصحراوية وما أكثرها في مصر.
أدت قوانين تحديد الملكية للصدام بين الحكومة وبعض الإقطاعيين المتضررين كما حدث مع عدلي لملوم المالك الكبير ومن ورائه عائلته ذات النفوذ بمحافظة المنيا والمئات من رجاله المسلحين، للتصدي للسلطة الجديدة وأعلانه أنه لن يترك هذا القانون أن يمر، وصدامه المسلح مع الشرطة أدى لمقتل الكثيرين وقُدِم لملوم لمحاكمة عسكرية عاجلة بالمنيا قضت بسجنه15 سنة بالأشغال الشاقة.
كان يجب تطبيق قانون تحديد الملكية تدريجيا، يبدأ مثلا بتحديد ملكية الفرد بـ 500 فدانا ويعطي المالك مهلة لبيع ما زاد عن ذلك بداية بأفراد أسرته وأقاربه المعدمين، ثم من كان يعمل بها، ويتدرج في انقاص ملكية الفرد علي فترات متباعدة، وتحتفظ العائلة المالكة والمنتفعين الآخرين بجماعية إدارة الأرض بلا تفتيت حتي تأتي الأرض بثماها المرجوة.
أو فرض ضرائب تصاعدية علي الشرائح الملكية، مثلا من يمتلك 1000 فدان يدفع على المائة فدان الأولى ضريبة قدرها 3% من دخلها، وعلي المائة فدان الثانية 9%، وعلي المائة الثالثة و15% وتصعديا حتي تصل للمائة العاشرة إلى 57% مما يزيد من موارد الدولة دون تفتتيت الملكية الذي أدي بالفعل لتدهور إنتاجية للأرض.
...........
نكمل مناقشة وتفنيد باقي انجازات عبد الناصر من وجهة نضر أتباعه والمنتفعين من عصره في المقال القادم إذا كان في العملا بقية.