حمدي رزق
الهجمة الشرسة على وزير التربية والتعليم، الدكتور طارق شوقى، تستوجب أولًا بيان مصادرها، وأسبابها، وتجفيف منابعها، وقبل كل شىء تستوجب المواجهة دعمًا من رئاسة مجلس الوزراء للوزير «الممتحن»، الذى يخوض معركة كسر عضم وحيدًا!.
عندما تنبح كل قنوات الإخوان، وصفحات التابعين، وتعليقات المؤلَّفة قلوبهم، وتنهش فى لحم الوزير، وتَصِم سياساته بالفشل، ضمن مسلسل التفشيل، الذى تنتهجه «الإرهابية» فى سياق الحرب على الدولة المصرية، يستوجب الأمر التوقُّف والتبيُّن.
توقُّفًا أمام الأخطاء التى صادفت بداية العام الدراسى، وشوّهت حجم الإنجاز على الأرض، عندما تتحدث عن عام دراسى بعدد طلاب فى التعليم الأساسى ٢٤ مليونًا، مُقسَّمين على ٦٠ ألف مدرسة على مستوى الجمهورية، وبالصف الأول الابتدائى وحده ٢ مليون تلميذ هذا العام، وتتجاهل هذا العدد، الذى يساوى إجمالى سكان عدد دول مجتمعة فى الجوار، وتمسك بخناق الوزير لسبب إهمال إدارة مدرسة لم تستعد بشكل كافٍ، أو تصرف خاطئ من مدير مدرسة، أو تصرف طائِش من مدرس تجاه طالب، ورغم أهمية تسليط الضوء على الأخطاء وربما الخطايا، فإن حديث فشل المنظومة التعليمية لتحقيق أهداف سياسية، وتحريض أولياء الأمور، وزعزعة انتظام العملية التعليمية، وإفشال الوزير، فهذا يدخل فى باب التآمر، الذى يكابده الوزير طوال سنوات مضت، وتزداد وتيرته عامًا بعد عام.
وعندما ينبح كلاب المنافى فى لندن واسطنبول وحتى أمريكا، وجميعهم من سبايا وطواشى الإخوان على وزير مصرى يجتهد فى إحداث نقلة تعليمية تُلحق التعليم المصرى بعجلة التحديث والعصرنة، وتغيير الفلسفة النقلية إلى العقلية، وتوطين العلوم الحديثة والطرق الجديدة فى التدريس، واستزراع فضائل الحوار والعقلانية والمواطنة فى المناهج التعليمية، ثِقْ أن هذا سيُهيج الاتجاهات السلفية والإخوانية، التى سيطرت على العقل الجمعى المهيمن منذ عقود مضت وعلى مخرجات المدارس كما فى الجامعات.. ما نراه من ارتفاع منسوب التعصب والكراهية هو الحصاد المر لأفكار ابن تيمية والبنا وغيرهما المبثوثة فى بطون الكتب والمناهج الدراسية.
لا ألوم أولياء الأمور.. كفاية عليهم ما هم فيه من تشويش بفعل السوشيال ميديا، التى تستخدم آلياتها بضراوة ضد الوزير والوزارة، ولكن ألوم الوزير، الذى لا يتواصل جيدًا مع قادة الرأى والفكر والقيادات الطبيعية فى المجتمع لشرح استراتيجية التعليم الحديثة. تغيير فلسفة التعليم الأساسى يحتاج توطئة مجتمعية، تجليس الأفكار فى العقول قبل جلوس الطلاب فى مقاعد الدراسة، ما يعانيه الوزير نتيجة مباشرة لعدم إطلاع القادة الطبيعيين على أفكاره، التى لا يعبر عنها جيدًا.
لا أقصد مزيدًا من التصريحات الفضائية أو التغريدات، أقصد المؤتمرات التخصصية وجلسات الحوار والعصف الذهنى، الحاضنة العقلية للاستراتيجية التعليمية، والتى تقود الحاضنة الشعبية، وترشدها إلى الطريق القويم.
ناهيك عن بعض الاتجاهات الرافضة من المدرسين ممن فقدوا أهليتهم أو مدخلاتهم من هوامش العملية التعليمية، بعضهم كوّن إمبراطوريات تدر ثروات هائلة. السواد الأعظم من رجال التعليم يودون إسهامًا فى الاستراتيجية الجديدة، ولكنهم مُحيَّرون ومُبَلبَلون. خطوط الاتصال مقطوعة تمامًا، وهناك إحساس عام بالإحباط ناجم عن هجمة مرتدة ممنهجة على كل مَن ينتمى إلى القافلة التعليمية فى مصر.
نقلا عن المصري اليوم