استشرت فى العالم اليوم نزعة «الاستهلاكية»، ومعناها الولع بكل جديد لشرائه، حتى لو كنا لا نحتاج إليه، فماذا عن هذه الاستهلاكية، وكيف نتعامل معها..
أولاً: النزعة الاستهلاكية:
- وهى من أهم ملامح الثقافة المعاصرة السائدة فى كل العالم. والمقصود بها أن هناك براعة فى الإعلام عن السلع المختلفة: الملابس، والمساكن والأدوات والأجهزة، المحمول والكومبيوتر الكبير، والكومبيوتر الشخصى... إلخ.
- وأسلوب الدعاية على التليفزيون والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى، مبهر للغاية، بألوانه، وحركة الممثلين، وإيضاح جمال ومزايا السلعة، وتخفيضات فى مناسبات معينة... إلخ.
- هذا العرض الجذاب للسلعة يجعلنى أسعى لشرائها واقتنائها، خضوعاً للإبهار الإعلامى، أو تقليدًا لزملائى وأصدقائى الذين اقتنوها. ومع أنى لست فى حاجة ماسة إلى هذه السلعة، لكننى أطلب من أبى وأمى أن يشتروها لى. فإن اعتذروا بأن عندى ما يكفينى من هذه السلعة أقول لهم هذه هى الموضة!! ويجب ألا أتخلف عن زملائى!! أنا أشعر بخجل أن ملابسى ليست على آخر موضة!!
- وتكون النتيجة أن يضغط الأب على نفسه، وعلى ميزانيته، لكى يشترى لى هذه السلعة، وهو فى منتهى التعب والألم أننى لم أقّدر ظروفه. أو أن يرفض لعدم وجود فائض مادى، فأتضايق أنا، وتحدث مشكلة فى البيت.
أ- ما الخطأ فى الاستهلاكية؟
1- الخطأ أننى لم أهتم بالجوهر، وأصبحت أهتم بالمظهر: الملابس - الأجهزة - المأكولات - أماكن النزهة. وهذا اتجاه خطير!! لماذا؟
2- لأنه سيخلق فىّ شخصية سطحية بلا جوهر وبلا قوام، فالعقل لا يعمل، وكذلك الضمير!!
3- فالعقل حينما يفكر: يدرس الأمر ويدقق فى الطلبات! هل أحتاج هذه السلعة؟ وبطريقة حقيقية وملحة؟ أم أستطيع الاستعاضة عنها بسلعة أخرى عندى، أقل فى الموضة أو المظهر!!
4- والضمير حينما يعمل: يجعلنى لا أضغط على أعصاب أبى وميزانية البيت، وأميز نفسى عن أخى وأختى، وأتصرف بأنانية مؤسفة، وأنسى واجب أبى وأمى أن يعدلا بين أبنائهما وبناتهما، فإن اشتريا لك شيئاً زائداً، لابد من نفس الشىء مع بقية أفراد الأسرة، وهذا إرهاق للميزانية وللنفسية فى آن واحد!!.
ب- علاج الاستهلاكية:
- أن يهتم الإنسان بالجوهر وليس المظهر!! فربما يكون شعر رأسه على آخر صيحة، أو قميصه أو فستانها.. بينما يكون فى الجوهر إنسانًا سطحيًا.. لا ذهنه يتعمق ويدرس ويحلل الأمور، ولا ضميره يتحرك ويميز الصواب من الخطأ!!.
- ولاشك أن الحياة مع الله، والاندماج فى الحياة الدينية السليمة، بل وخدمة الآخرين... وكذلك القراءة والاطلاع والدراسة والتفوق العلمى والروحى.. هذه كلها جوهر الإنسان وموضع تقدير الكل، وليس الملبس أو المسكن أو المأكل!!
ليتنا نهتم بالداخل قبل الخارج.. بالداخل والخارج معًا.. فى توازن سليم.. يمجد اسم الله، ويُفرح قلوب أسرنا وعائلاتنا.
ثانيًا: المظهر والجوهر:
الإنسان له وجهان هامان هما: المظهر، والجوهر:
1- المظهر: أى الملبس، وأسلوب الحركة والضحكة، وأسلوب الكلام، والألفاظ التـى يستخدمها، وأسلوب حلاقة الذقـن، أو إطالـة شعر الرأس للأولاد.. إلخ. هذا كله فى الظاهر، وعلى سطح الشخصية... ولكنه بصراحة تعبير عن الجوهر! أى عن أسلوب التفكير (العقل)، ونوع المشاعر (القلب).
2- الجوهر: أى أعماق الإنسان: فكره، ومشاعره وإرادته، وخطوط حياته، واهتمامات شخصيته بل ونوع شخصيته.. وهذه هى سمات شخصية الإنسان الحقيقى الذى سأتعامل معه! فأنا لا أتعامل مع الشكل الخارجى، الذى يتفق فيه كثيرون ويتشابهون، ولكنى أتعامل مع إنسان حىّ، له أسلوبه وتفكيره واهتماماته ونوع شخصيته، وتوجهات حياته.
الخطر - إذن - يكمن فى الداخل..
- فالإنسان الذى يقلد ممثلاً فى أسلوب حلاقة ذقنه، أو إطالة شعر رأسه.. والفتاة التى تقلد ممثلة فى فستانها أو حركاتها، لا يعيشان العمق الداخلى، ولا يهتمان بالجوهر! هما يهتمان فقط بالمظهر الخارجى، الذى يعبر أحياناً عن سطحية، وفراغ داخلى، وعدم رضا عن النفس! وإلا.. فلماذا نقلد إنساناً آخر، يختلف عنا فى شخصيته وأخلاقه وتوجهاته.
- وحتى الألفاظ.. يقلدها الشباب آخذين بعضها من الشاشة، بأن يتقمصوا شخصيات غير شخصياتهم الحقيقية.
فمن يتعامل مع الفنانين، يجد أنهم يمثلون عديدًا من الشخصيات، التى لا تتفق- على الإطلاق - مع شخصيتهم الحقيقية. فهل أقلد أنا أحدهم فى فيلم كوميدى أو مسرحية مضحكة، وأخرج عن شخصيتى الحقيقية إلى شخصية ربما تكون هابطة (فى فيلم ما)؟! هل أستخدم ما استخدموه من ألفاظ غير مناسبة، وأنسى أن هذه كانت مجرد مسرحية؟!
- فالشاب الناجح يكوّن لنفسه شخصية متكاملة، تكون موضع ارتياح وفرح كل المتعاملين معه. فهو يتمتع بما يلى: روح شبعانة بالله - فكر مستنير ومثقف - نفس منضبطة بغرائزها وعواطفها- جسد صحيح وسليم، لا تدمره السيجارة، ولا الكأس ولا المخدرات - والنتيجة تكوين علاقات جيدة... مع جميع الناس فى المجتمع، يحب الكل ويحبه الكل.
هذا هو إنسان الجوهر: الذى لا يجرى وراء المظاهر والألفاظ، بل يهتم بالعمق الداخلى الذى ينضح فى الخارج شخصية متكاملة ناجحة بنعمة الله.
نقلا عن المصري اليوم