وسيم السيسي
أنا الحكيم آنى، من مواليد الأسرة الـ١٩ فى الدولة الحديثة من مصر القديمة، وُلدت ١٣٥٠ قبل الميلاد، بينى وبينكم ثلاثة آلاف وثلاثمائة وسبعون عامًا الآن، كنت مديرًا لمخازن الغلال والقرابين المقدسة، كنا نضع الصلوات التى تسمونها النصوص الجنائزية فى بردية توضع فى تمثال مجوف اسمه «سقر»، وهو اسم ملاك الموت عندنا، وأنتم تقولون سكرات الموت الآن.. هذه النصوص الجنائزية كانت فى الدولة القديمة تُكتب فى مقبرة المتوفى وبعض الأهرامات وعلى جدران التوابيت، فسُميت نصوص الأهرام أو متون الأهرام أو نصوص التوابيت، ولكن فى الدولة الحديثة كانت البرديات، وهى شبيهة بالكتب المقدسة عندكم.
عثرت أسرة عبدالرسول على برديتى الجميلة، طولها ٢٤ مترًا، وعرضها ٤٠ سم ١٨٨١م، ألوانها جميلة زاهية، باعوها لعالِم المصريات البريطانى والاس Budge، أخفاها فى مخزن يملكه بجوار حديقة فندق الأقصر، عرفت السلطات المصرية بالأمر، أغلقت المخزن بالشمع الأحمر، استأجر «والاس» عمالًا، تظاهروا أنهم جناينية يعملون فى حديقة الفندق، وفى منتصف الليل حفروا سردابًا تحت الباب الخلفى للمخزن، وسرقوا البردية.. ذهب «والاس» بها إلى الميناء البحرى السكندرى، الذى لم يكن خاضعًا للإدارة المصرية، وأرسل البردية إلى المتحف البريطانى، وهى محفوظة الآن تحت رقم ١٠٤٧٠، البردية ٣٩ لوحة بالألوان، صاحب هذه المقالة لديه بردية طبق الأصل من برديتى الأصلية، حصل عليها من المتحف البريطانى، ولكنها دون ألوان.
لقد ذكرنى بكل خير بريان فاجان فى كتابه: اغتصاب نهر النيل: the rape of the river nile: by brian fagan، كما ذكر النهب الفظيع لآثارنا، التى تركناها وديعة عندكم.
تحولت برديتى إلى كتاب، ترجمه الألمانى لبسيوس، وسمى البردية تسمية خاطئة: كتاب الموتى!، واسمها الحقيقى: الخروج إلى النهار، وبالمصرية القديمة: بر إم هيرو، «بر» بمعنى الخروج، ومنها اخرج برة، «إم» حرف جر، «هيرو» أى نهار!.
تجدون فى اللوحة 31 محاكمة الروح، كان يسوقنى ملاك إلى المحاكمة، وكان يترأس المحكمة أودريس «إدريس»، واليونان يسمونه أوزوريس، وكانت المحكمة مكونة من ٤٢ قاضيًا يمثلون ٤٢ محافظة فى مصر كلها، وكنت أقول لقلبى: لا تشهد علىَّ يا قلبى، وكان أمامى الميزان، ريشة العدالة على إحدى كفتيه، وأعمالى توضع على الكفة الأخرى، والحمد لله ثقلت موازينى بأعمال الخير، فارتقت ريشة ربة العدالة ماعت معلنة استحقاقى ليارو «الجنة»، ولكن قبل ذلك كان الامتحان عسيرًا، كنت أتصبب عرقًا، سألنى القضاة ٤٢ سؤالًا، علىَّ أن أجيب بالنفى، و٤٢ سؤالًا علىَّ أن أجيب بنعم.
إليكم أمثلة من الاعتراف الإنكارى: لم أرتكب إثمًا، لم أقتل إنسانًا، لم أزنِ، لم أشتهِ زوجة جارى، لم أكذب، لم أسرق، لم ألوث مياه النيل، لم أسبب كآبة لأحد، لم أكن سببًا فى دموع إنسان، لم أتسبب فى شقاء حيوان، لم أعذب نباتًا بأن نسيت أن أسقيه ماء، لم أتعالَ على غيرى بسبب علو منصبى، لم أرفع صوتى على غيرى أثناء الحوار، أنا لم أشهد بالزور، أنا لم آمر بالقتل، أنا لم أغش، أنا لم أرتكب خطيئة ضد الناس، فإذا ذهبنا إلى الاعتراف الإيجابى: أنا أدعم السلام، أنا أقدر الجميل، أنا أحترم الميزان، أنا أحيا بالحق، أنا أقدس الحياة، أنا أحترم كل المعتقدات المخالفة لى، أنا أحفظ الحقوق، أنا أحسن الظن بالناس، أنا أكرم الحيوان، أنا أهتم بالأرض، أنا دائمًا أذكر محاسن غيرى، أنا أُعلى من شأن الآخر، أنا أنشر الفرح فى كل مكان، أنا أتواصل بالود، أنا أنصت وأحترم الآراء المعارضة، أنا أتفتح للحب، أنا أتسامح، أنا أحب كل الناس، أنا عين للأعمى، أنا يد للمشلول، أنا رِجل للكسيح، أنا قلبى نقى، أنا يداى طاهرتان.
لها حق إذن عمدة برلين الحالية، كارين شوبارت، حين قالت: كيف كان سيكون شكل العالم اليوم لو لم تكن الحضارة المصرية القديمة؟!.. وله حق والاس بادج أن يقول: نحن فى حاجة إلى قرنين من الزمان حتى نصل إلى هذا المستوى الرفيع من الحضارة الإنسانية!.
الحضارة هى الأخلاق، ومصر هى التى علمت العالم ولاتزال تعلمه الأخلاق.. أنا الحكيم آنى أطلب منكم نشر محاكمة الروح، أى قانون الأخلاق، بكل لغات العالم، وليس هذا بكثير على وزير الآثار والسياحة، الدكتور عنانى.
نحن شعب «علّم» الدنيا وساد/ ونما والدهر فى المهد صغير.
نقلا عن المصري اليوم