د. ممدوح حليم
تمر يوم 22 الجاري الذكرى العشرون لرحيل الأنبا غريغوريوس أسقف عام البحث العلمي والدراسات القبطية، والذي يعد بحق عميد علماء الكنيسة في العصر الحديث.
لقد أنجبت الكنيسة القبطية في القرون الميلادية الأولى كثيرًا من العلماء الذين أثروا الفكر المسيحي، وبعضهم لعب دورًا مهمًا في المجامع المسكونية التي أقرت مبادئ الإيمان المسيحي. كانت مدرسة الأسكندرية اللاهوتية المصنع الذي يعد هؤلاء. كانوا نجومًا لامعة في سماء العالم المسيحي.
لكن الحال لم يستمر هكذا، ولقد لعبت عوامل كثيرة متداخلة الدور في أفول نجم كرسي الأسكندرية ونضوب قدرته على إنتاج العلماء والمفكرين المرموقين. من أهم هذه العوامل إغلاق مدرسة الأسكندرية اللاهوتية، والانقسام الطائفي الذي أعقب مجمع خلقيدونية عام 451 ، وما أعقب ذلك من هجر للغة اليونانية، اللغة المسيحية الأم، مما أفقد الأقباط التواصل مع فكر الآباء، ومن هذه العوامل مجيء العرب إلى مصر في القرن السابع.
دخل الفكر في الكنيسة القبطية ثلاجة القرون الوسطى التي امتدت إلى مطلع القرن التاسع عشر، فنهضت مصر كلها. أما عامل النهضة الأول فكان مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر (1798 – 1801 ). أما العامل الثاني فكان تولي محمد علي حكم مصر عام 1805 ، ومن بعده أسرته التي رأت معه أن نهضة مصر تتحقق بالارتباط بالحضارة الأوربية، فتدفق إلى مصر الأوربيون ومنهم الإرساليات المسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية. لقد أنهض ذلك الكنيسة القبطية خوفًا من ضياع أبنائها وتأثرًا بهذه الإرساليات.
ولأن الكنيسة القبطية جزء من كيان الوطن تتأثر به ارتفاعا وهبوطا ، لذا امتدت النهضة إلى الفكر في الكنيسة القبطية. لقد بدأت النهضة في الكنيسة القبطية مع صعود البابا كيرلس الرابع الملقب بأبي الإصلاح إلى الكرسي البابوي عام 1854 .
لقد أفرزت هذه النهضة بعض العلماء في الكنيسة القبطية في العصر الحديث ، ولاشك في أن عميد هؤلاء العلماء هو الأنبا غريغوريوس، الأمر الذي سنشرحه في المقال القادم.