كتب المستشار أحمد عبده ماهر
بأحد أيام زياراتي لفرنسا عام 2016 دخلت ليلا مطعماً بباريس لأتناول وجبة العشاء.....وللعلم فإن جميع المحلات والمتاجر بفرنسا تغلق أبوابها في السابعة مساءً ما عدا المطاعم والأماكن السياحية.
وحينما جاءني النادل لأطلب الطعام قلت له أن يأتيني بأي شيء من المسكنات ؛ لأني أعاني من الصداع ولا أقوى على قراءة قائمة المأكولات التي يقدمها المطعم ، وفوضته أن يفعل ما يشاء ...
بعد مرور حوالي الـ 30 دقيقة جاءني النادل بعلبتين أسبرين أحدهما أسبرين فوار والآخر أقراص وقال لي بأن أتناول أحدهما وسأشعر بتحسن فورا.....وبعدها بدقائق جاءني بالطعام.
وعند طلبي أن أدفع الحساب لاحظت عدم وجود ثمن الدواء الذي جاءني به فسألته عن سبب عدم وضع ثمن علبتي الدواء....فروى لي بأن صيدلانيا فرنسيا كان يجلس على الطاولة التي بجواري وسمع بأني أعاني من الصداع فذهب إلى الصيدلية وفتحها وجاء بالدواء وأعطاه للنادل لتوصيله لي ثم انصرف منكراً ذاته في الفعل النبيل الذى أداه لمريض أجنبي لا يعرفه ...
وتذكرت بهذه المناسبة حينما عدت جريحا من سيناء إلى الإسماعيلية وذلك بحرب يونيو 1967 .... ونظرا لحالة الجوع المفرطة التي كانت تعتريني ...فقد دخلت فندق أظن كان اسمه فندق بلير بالإسماعيلية وكان صاحبه رجل إنجليزي طلبت الطعام وأنا جريح وكانت آثار الدماء تغطي كل ملابسي العسكرية .... و حينما طلبت فاتورة الحساب امتنع الفندق عن تحصيلها وقال لي النادل بأن مدير الفندق منع تحصيل فواتير الطعام من الضباط المصريين ...
فإذا كان هذا ما يحدث بالمطاعم والفنادق مع من يخالفونهم في العقيدة والوطن فلا شك أن أخلاقهم مع جيرانهم ومع زملائهم بالعمل أرقى وأفضل بكثير ..
فقط أردت أن أذكر هاتين الواقعتين وبينهما خمسين سنة...لتعلموا بأن حسن المعاملة والشعور بالغير والعمل الصالح هم أساس الأخلاق وأصل الدين و الإنسانية...وسر تقدم الدول...وأقصر طريق للوصول إلى الله.....
وليست الفتوحات الحربية ولا قتل المرتد أوقتل تارك الصلاة أو التضييق على المسيحيين بالطرقات ، او الامتناع عن معايدتهم أو تهنئتهم .