بقلم : يوسف سيدهم
إعمالا للمادة (115) من الدستور, أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي القرار الجمهوري رقم 418 لسنة 2021 بدعوة مجلس النواب للانعقاد في 2 أكتوبر الجاري لافتتاح دور الانعقاد العادي الثاني من الفصل التشريعي الثاني… كما أصدر الرئيس القرار الجمهوري رقم 419 لسنة 2021 بدعوة مجلس الشيوخ للانعقاد في 5 أكتوبر الجاري لبدء الدورة الثانية للفصل التشريعي الأول.
وقد استهل مجلس النواب دور الانعقاد الحالي بالجلسات الإجرائية التي تضمنت انتخاب وتشكيل اللجان النوعية للمجلس, ثم إعلان ملامح الأجندة التشريعية التي سوف يضطلع بها المجلس والتي تشتمل علي مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة أو من النواب مثل مشروع قانون الإيجارات القديمة وغيره من مشروعات القوانين سواء التي كانت مدرجة علي الأجندة التشريعية في أدوار انعقاد سابقة أو التي يجري اقتراحها في هذا الدور… والحقيقة أن مشروع قانون الإيجارات القديمة يستحق أن يوصف بأنه تأخر كثيرا وطال انتظاره, والأمل أن يتمكن مجلس النواب من مناقشته وإقراره في هذا الدور بعد أن تكرر طرحه في الأجندات التشريعية لثلاثة أدوار انعقاد سابقة, لكن كان المجلس تستغرقه أعباء تشريعية وبرلمانية أخري تحول دون إنجازه ويتم في كل دور من الأدوار الثلاثة فض الدورة البرلمانية والإبقاء علي مشروع قانون الإيجارات القديمة -ضمن مشروعات قوانين أخري سأتناولها تباعا- في قائمة الانتظار.
والحقيقة أن مشروع قانون الإيجارات القديمة بات ملحا لإنهاء حالة الازدواج التشريعي المسكوت عنها في هذا المجال والتي تتمثل في الآتي:
** التأرجح بين فرض القيمة الإيجارية بموجب قانون إيجارات وبين ترك تحديد القيمة الإيجارية لقواعد السوق في العرض والطلب, وذلك ينطبق علي كل من الأماكن السكنية والأماكن غير السكنية.
** بالنسبة للأماكن السكنية, هناك ازدواج تشريعي بين الإيجارات القديمة التي يحكمها قانون يتجاوز عمره ستة عقود وينص علي تجميد القيمة الإيجارية دون أي نسبة زيادة دورية أو تحريك لها حتي إن تلك القيمة التي كانت تتناسب مع زمن تشريعها في ستينيات القرن الماضي بالنسبة لدخل الفرد وللقدرة الشرائية وغيرها من أعباء ونفقات الحياة, أخذت في فقدان ذلك التناسب عبر عقد وراء عقد من الزمن حتي وصلت حاليا إلي اللاقيمة وفقدت كل مدلول لها مقارنة بالارتفاع المضطرد لدخل الفرد وبالتضخم المضطرد لنفقات الحياة… وهنا مفارقة عجيبة فبينما تلك القيمة الإيجارية المجمدة تمثل منتهي التدليل بل والإفساد للمستأجر نجدها علي الجانب الآخر تمثل منتهي الغبن والإجحاف للمالك بل والإذلال أيضا إذا أخذنا في الاعتبار شرائح الملاك الذين يعتمدون علي ما يحصلون عليه من إيجارات في تغطية أعباء الحياة والمعيشة, ناهيك عن الإنفاق علي صيانة عقاراتهم.
ثم يتجسد الازدواج التشريعي في قانون آخر للإيجارات يطلق القيمة الإيجارية للأماكن السكنية في حالة العقارات المبنية بعد عام 1996, وذلك يخلق واقعا متضاربا وخللا تشريعيا يلزم التصدي له بإعادة النظر في المقابل الإيجاري لسائر الأماكن السكنية وتوحيدها إعمالا للعدالة التشريعية وعدم الازدواج أو التمييز.
** بالنسبة للأماكن غير السكنية يوجد أيضا هذ الازدواج التشريعي في القيمة الإيجارية لها ولكن في صورة أقل حدة من مثيلتها في الأماكن السكنية, فقد بادر المشرع في ثمانينيات القرن الماضي بتحريك القيمة الإيجارية للأماكن غير السكنية بزيادتها مع النص علي تطبيق نسبة زيادة سنوية عليها بحيث أخرجها من ثلاجة التجميد التي ترقد فيها إيجارات الأماكن السكنية, وبالرغم من ذلك تظل القيمة الإيجارية القديمة للأماكن غير السكنية حتي بعد الزيادات المتتالية أقل كثيرا عن مثيلتها التي أطلقها القانون وتطبق علي العقارات الحديثة المبنية بعد عام 1996… وهنا يرقد الازدواج التشريعي المحتم التصدي له وعلاجه.
*** الأمل كل الأمل أن يتمكن البرلمان من إنجاز الإصلاح التشريعي لقوانين الإيجارات القديمة في الدورة البرلمانية التي نحن بصددها لإرساء عدالة ناجزة تعيد الانضباط إلي السوق وتصحح من التمييز بين العقارات القديمة والحديثة وتعيد للمستأجر صفته بعد أن كانت قد حولته إلي مالك مستولي علي العين التي يستأجرها, وتعيد للمالك صفته بعد أن كانت حولته إلي متسول لا حق له في العين التي يمتلكها!!!