( بقلم / أشرف ونيس )
إثنان ؛ هما حليفان أحياناً ، و أخرى يبدو أنه لا يمت أي منهما للآخر بأى صلة ...... ، قد يتقابلان فى إحدى الساحات التى تضج بالمشاعر و تنضح بخفق القلوب ، وأخرى لا يعير أى منهما للآخر قطرة من الاهتمام ....... ، قد نملك أحدهما ، لكننا نستجدى قدوم الآخر اذ لا شيء يحكمه ...... ، يبقى من بينهما حبيس قبضتنا ، لكن الآخر دائم السير فى دروب الحرية ؛ طليقا فى جنبات الكون التى أفضت حدوده الى العدم .
إنهما الوقت و الإلهام ! وأى من الأفراد و الشخوص له أن يملك الاثنين معاً ، قد نأسر الوقت و نتحكم به ، لكن يبقى الآخر ليس له من يحكمه أو يقيد حريته ، قد يدور الوقت فى فلك زمننا مستنجداً بمن يشغله ، لكن الإلهام يعد مركزاً للأرواح و ما يكمن بها من وجود ؛ الكل دائم الدوران فى فلكه إذ أنه يجذب الجميع بقوة جذب تحافظ على مركزه فى أذهان و أفئدة من يحملقون فيه ، محدقين ، راجين مروره عليهم !!
حاولنا و محاولين التوفيق بين وقتنا و إلهامنا متى نظر الأخير الى سؤال باطننا ، مانحاً لنا بعضاً من أوقاته ، فنقدم له ما نملك من وليد زمن لنشيد له بالسناء متى زار داخلنا ....... ، أعددنا عُدتنا ، وتأهبنا لزيارة ضيفنا الروحى ، باذلة النفس فى ذلك كل ما أوتت من قوة لتهيئ له بعضاً من سكون و شيئاً من سكينة فى انتظار رده و جوابه عليها !
و فى خضم انتظار طالت مدته ، حاولنا الإعتماد على قلمنا و ما له من رصيد فيما سطَّره من قبل بالإستقلال عنه ، لعل و عسى أن يطفق فيكتب شيئا مما يلج بخاطرنا و يقبع بأعماقنا ، فها هى الأفكار تموج بالذهن محاولة الفكاك من أسرها ، و هاهى المشاعر فى صراع ، حبيسة الكيان ، تستعطف من يمد لها يده فتمسى أميرة على سطحٍ من ورق . لكن ظلت الكلمات متشرذمة كلٍ فى محيطه ، متفرقة بلا مركز ناهجة فى ذلك نهج الافكار ، و كيف لهما أن يسيرا فى درب الترتيب و النظام و قائدهما يعتريه الغياب ؟! فكانوا بذلك كقطيع تائه لا راعى له !!
طال بنا المكوث مثلما طال به الأفول ، وبعد أن أصابت سهام اليأس أحشاء صبرنا ، تركت أجسادنا المكان فى طريقها الى الرحيل و العودة من حيث جاءت و أتت .
زخمٌ من المركبات تعج بحديث صاخب بين بعضها البعض مما اندثر حديث البشر بين طيات حديثها ، و فى لحظة اندهاشنا بما آلت به الدروب و الطرقات ، فاذ بشيء ما يتملك عواطفنا ، ماراً بأذهاننا ، سائحا بين ساحات عالمنا الروحى ، واذ بالفاجئة تعترينا ، و صوت صارخٍ بأذان بصيرتنا غير معلوم المصدر ، معلناً لنا بأنه من طال إنتظارنا له قد حضر " الالهام " !
أتى عن دون توقع و عن دون ترقب ، إذ له أوقاته التى يعرفها جيداً ، متحيناً موقفًا أو كلمة ، نظرة أو حديثًا ، له خبرته الكبيرة للسمو بالذهن ، كما له باعه الطويل بالإنطلاق بملكة التخيل لفضاء الكلمات و سماء الإبداع ، انه التخلق الخلاق ، الاختلاق الخالق ، الإجادة و الإحكام ، مصدر لكل براعة و مهارة و فن و إتقان .
وثيق العلاقة بقوى الطبيعة و عناصر الوجود ، فهو همزة وصل بين الشمس و نفوسنا ، جسر رابط بين البحر بمياهه الفائضة و أرواحنا ، عامل مشترك بين إرهاف الاحساس و القمر و السماء و النجوم ، قد يرافق فى إتيانه نسمة هواء ، و قد يصطحب فى مجيئه أريج الزهور و عطر الورود ، يصول و يجول بين أركان الارض ، هامساً مشيراً إلى من يقع عليه إختياره ، فيتربع بذلك على عرش مشاعره سيداً حاكماً ، و الٱمر بما يُكَتب من عبارات و كلمات و حروف .
إنه الإلهام و الإيحاء ؛ القوة الأثيرية ، و الطاقة الروحية ، القدرة الانفعالية المغلفة بالهدوء و المرتكزة على الاستقرار و النقاء و الوضوح و الاناة ...... ، لسان أفكارنا ، فم لاذهاننا ، قدرة لتعبيرنا التى تعتمد على الطلاقة و الجرأة و الجسارة و الإقدام ....... !
نتفوق به على أصحاب العلم ، و نمتاز به على رجال المعرفة ، نجيد به على حسباء المجامع ، و نتقن به على رائدى الذكاء و الإدراك و الإطلاع ..... ، قد يستخدم العلم كأحدى اسلحته ، و يمكنه أيضاً العمل بدونه إذ أنه متجرد و منزه عن كل حاجة و عوز و إحتياج ..... ، هو الكل فى كلمة ، مظاهر الجمال فى لفظٍ ، سبل الروعة فى نطقٍ ، مذخر فيه كل كنوز الحكمة و العظمة و السحر و البهاء ...... الإلهام !