حمدي رزق
تسمع من «آبى أحمد»، رئيس الوزراء الإثيوبى، فى مفتتح ولايته الثانية عجبًا، يطالبنا بالاعتراف بالحقوق الإثيوبية فى مياه النيل لنعيش معًا سعداء يظللنا سد النهضة!!.
تخيّل إلى أى حد بلغ منسوب الكذب الإثيوبى، من يعترف بماذا؟ وعن أى حقوق تتحدث يا هذا؟ ومن الذى أنكر، ولايزال مُصرًا على إنكار الحقوق التاريخية لمصر والسودان، والتى نصت عليها المعاهدات الدولية فى مياه النهر؟ من الذى يعتدى على هذه الحقوق التاريخية بعد إنكارها؟ من يمنع سريان النهر طبيعيًا بسد يسد عين الشمس؟ من يماطل فى حقوق الشعوب على ضفاف النهر؟!.
يا هذا.. إذا كان كلامك للاستهلاك المحلى، فهذا يخصك داخليًا، ولكن تصديره إلى العالم فهذا كذب بواح، لا مصر اعتدت على الحقوق الإثيوبية، ولا السودان طمعت فى كوب ماء إضافى، فقط يطلبان حصة عادلة متفقًا عليها تاريخيًا، ولن يغيرها كَائِن مَنْ كَانَ على وجه الأرض، لأنها حياة، وليس أغلى من الحياة، للأسف ترومون تعطيش الملايين على ضفاف النهر لأجل مجد فردى غير مستدام.
استمراء الكذب السياسى والتيه المكذوب بقوة موهومة لا يوفر أرضية لمفاوضات مثمرة، هذا «رجل حرب»، وسوابقه فى سحق شعب «تيجراى» مسجلة عليه أمميًا، وولايته الثانية ليست فألًا حسنًا على وادى النيل، فوق الهضبة طمع شرير فى مياه النيل، وخداع حتى للمواطن الإثيوبى.. ماذا يستفيد مواطن إثيوبى من عطش أخيه فى السودان أو فى مصر؟!.
الهضبة منحها الله ماء السماء بفيض كريم، لماذا الطمع فى بعض من ماء يجرى فى النهر؟!. خطاب مفتتح الولاية الثانية لآبى أحمد أكثر تشددًا من خطاب الولاية الأولى، يتاجر بقضية السد فى السوق المحلية لكسب تأييد لخططه الرامية لسحق شعب التيجراى.. سحابة دخان لتمرير جرائم حرب يتحدث عنها الركبان.
سياسة الهروب إلى الأمام من استحقاقات وحسابات داخلية، التصعيد فى قضية السد قبيل استئناف المفاوضات يُعقّد الحل الذى حدد مساره مجلس الأمن الدولى، وعدالة الحق المصرى- السودانى لا تخطئها عين مراقب، والأنظار كلها مصوبة نحو طاولة مفاوضات ستكون صعيبة فى ظل إصرار رجل حرب يجلس إلى طاولة سلام.
تظل جملة الرئيس السيسى «كل الخيارات مفتوحة» مفتاحية فى سياق قضية السد الإثيوبى، فليعترف «آبى أحمد» أولًا بالحقوق المصرية- السودانية فى مياه النهر، ويقر بها، ويحترم المعاهدات التى وُقعت قبل ميلاده، يحترم التاريخ والجغرافيا، يرعوى لإرادة السماء التى أجرت النهر من علٍ ليسقى الأرض العطشى والناس.
المطلوب من «آبى أحمد» معكوس، الاعتراف مطلوب منكم وليس العكس، مصر والسودان كانا كريمين ولايزالان، لم يماريا فى حق الشعب الإثيوبى الشقيق فى التنمية المستدامة، ووقعا اتفاقًا إطاريًا فى الخرطوم بحسن نوايا وبرغبة صادقة فى التعاون بين دول النهر لصالح شعوب النهر، باعتبارها شعبًا واحدًا وإن تعددت الألوان واللغات واللهجات، من أصل واحد وتشرب من نفس النهر.
ماذا تطلب أكثر من هذا اتفاقًا؟ أتطلب انصياعًا لأطماعكم؟! كلا لن يكون، دونه خرط القتاد، وترجمته حتى تستبطنوه جيدًا.. القتاد نوع من الأشجار له أشواك كالإبر، فـ«خرط القتاد» معناه إزالة هذه الأشواك التى تشبه الإبر باستعمال الأكف، ولاشك أن هذا الأمر غاية فى الألم؛ فلا يستطيع أحد أن يصبر عليه.. ولن نصبر على استكباركم من فوق الهضبة أبدًا.
نقلا عن المصرى اليوم