حمدي رزق
طيب الذكر «سيد حجاب» كتبها فى «ليالى الحلمية» ورحل راضيًا مرضيًا، «من اختمار الحلم ييجى النهار»، ترجم أشواق المصريين، كتبهم، من اختمار الحلم.. ويكمل ابن أيامه الطيبة طيب الذكر الخال «عبدالرحمن الأبنودى» بجملة شعرية ولا أروع «جانا نهار.. وإحنا بلدنا ليل نهار، بتحب موال النهار، لما يعدى فى الدروب.. ويغنى قدّام كل دار».
نهار السادس من أكتوبر أجمل نهار أشرق فى وجه المحروسة فى تاريخها الحديث، ليس كمثله نهار، ولا يضارعه نهار، نهار استثنائىّ فى حياة المصريين، من أيامهم الخالدة، يوم السادس من أكتوبر لنا وحدنا يخصنا، يومنا المجيد، يوم النصر.
يومٌ أشرقت فيه شمس مصر من جديد من قلب عتمة وظلمة وحزن مقيم، يومٌ بكت مصر فرحًا.. وتهللت الوجوه، وكبّرت المآذن، ودقت أجراس الكنائس فى غبطة وسرور.
يومٌ استيقظت العصافير من أعشاشها تزقزق فرحة بالنور، شدو البلابل، وهديل الحمام، وصهيل الفرسان على جبهة القتال، وغناء شادية الوادى «مصر اليوم فى عيد».
وذكّر فالذكرى تنفع المصريين، ذكّر بالرجال السُّمر الشُداد عدّوا القنال، ذكّر بأيام الفخر والفخار، أيام العز الوطنية، وافتخر بجيشك وجنودك، خير أجناد الأرض، وتمعن فى معانى النصر، واقرا الفاتحة على قبور الشهداء.
أجيال (أجدادنا وآبائنا) عاشت ترنو إلى يوم الثأر، إلى يوم تكتب التاريخ، صبرت على ضيم، ولم تنكسر إرادتها، ولم تخبُ حماستها، ولم تنهزم رغم الهزيمة، ولم تحبط رغم قسوة النكسة، ونزفت فى حرب الاستنزاف، وسجلت آيات وملاحم من الصمود والانتصارات، حتى كُتب لها النصر.
أجيال وُلدت بعد النصر، سمعت عن نصر أكتوبر ولم تره، مَنْ سمع ليس كمَنْ رأى.. وعايش تلك الأيام التى مرت طويلة، وفلذات أكبادنا يخوضون غمار حرب ضروس، فى مواجهة جيوش محتشدة وأسلحة حديثة، ودبابات مذخرة، وطائرات تطير لأول مرة فى سماء المعركة، كنا نواجه ما لا طاقة لنا به، وسبحانه تعالى الذى كتب لنا النصر.
عادةً، يحكى أبطال النصر ما تيسر من سيرة النصر، ولكن النصر كما تحقق بمفرداته وكلياته وخططه وإبداعاته وأساطيره العسكرية لم يُحقق بعد، لم يُسجل كما نتمناه بعد، لم يوثق كما نرجوه بعد.
نرجو من الشؤون المعنوية عملًا توثيقيًا عظيمًا فى «اليوبيل الذهبى» لنصر أكتوبر، بعد عامين من الآن، فليتوفر عليه من الآن نخبة من العسكريين والمؤرخين والرواة والمؤلفين والكتاب ليسجلوا لنا وثيقة للأجيال المقبلة.
نحن أمام إعجاز سجلته الصحافة العالمية، ووقفت عليه الأكاديميات العسكرية درسًا وتحليلًا، وتغيرت معه استراتيجيات وتكتيكات حربية، وخرائط دولية، مصر فى السادس من أكتوبر غيّرت مجرى تاريخ المنطقة بالكلية.
الجندى المصرى غيَّر معادلات كونية، ولولا هذا الإعجاز العبقرى لخير أجناد الأرض ما كُتبت لنا الحياة.. السادس من أكتوبر شهادة ميلاد جديدة لأمة عظيمة أرادت الحياة، فاستجاب القدر.
نقلا عن المصرى اليوم