( بقلم / أشرف ونيس )
نهل الخلائق على توالى عهودهم من محيط الحكمة الأزلية ، و حين ارتشف كل منهم مروياً جفاف أحشائه كانت تلك الحكمة كاملة فى لامحدوديتها التى سعت الأزل فالأبد ، فأين بدايتها و الى ما تؤول نهايتها ؟ كان ذلك من الأسرار اللاهوتية التى خُتِم عليها و أخفيت على كل ما عدى الله ، إذ كيف للمحدود أن يوفى غير المحدود ؟!
 
التطرق لمقاصد العلى لهو أمر يستجلى سجود الأبد و انحناء الخلود ، فالإجراءات الإلهية و تدبيراتها نحو أمور الوجود يغلفها هالة مرهبة يستحيل التطلع إليها ، و تستلزم خلع أحذيتنا من أرجلنا عند الحديث عنها ، لأن الأرض التى وطئت سيرتها ألسنتنا هى أرض مقدسة .
 
تنتابنا الحيرة من طرق الله و تداهمنا الشكوك نحو صلاحه و من ثم وجوده ، حين تتداخل عقولنا لتحليل المواقف فرادةً ، فكل أحداث التاريخ بمعزل عن باقيها تنكر وجوده ، و لكن النظرة الى الأحداث من فوق الجبل يظهر الصورة فى أُطرها ، فنخشع و نرتعب لأن بحر  الدموع بهياجه ، و أمواج الألم بكل عصفها ؛ ماهى إلا الخلفية السوداء التى تبرز إشراقة شمس الصلاح الالهى ، و بزوغ نور حكمة السرمدية .
 
إن القصد الإلهى هو بحر لا يُعبَر كانت روافده هى المحبة اللامتناهية ، و الحكمة الغير محدودة ، و السلطان المترفع فوق الزمن ، و القوة الحاملة لكل الاشياء بكلمة قدرتها ، و هو ما يستلزم المرفأ لنا - الإيمان - حين نلتحق بمدرسة الألم فنذرف من مٱقينا الأدمع لتسيل على وجنتينا ، فتكون بمثابة النبع فى الصحراء الذى يبرد من سعير رمالها ، فيتملكنا الصبر إلى أن يحين وقته تعالى .
 
فكيف للصلاح الإلهي أن يصمت تجاه أخوة يوسف حين التٱمر و حين التنفيذ ...... ، حين التخطيط الذى يقبع خلفه الشيطان و حين أصبح ما يصبون إليه أرضاً واقعاً وقت  طرحه فى بئرٍ هاوياً من الماء ..... ، حين بيعه و حين اشتغاله عبد ...... ، وقت إفتراء إمرأة سيده عليه و وقت دخوله سجن كان نفقاً بل جباً يتبرأ منه ضياء النهار إذ كانت كل أوقاته ليل ..... ، لكن القصة لم تنتهى بعد وقت أن تدخلت القوة المغلفة بالسلطان الالهى و السلطان الكامن بقلب القوة الالهية ؛ فرفعت يوسف من غياهب السجون ليمسى سيداً على عرش البلاد !!!!
 
كانت مشيئة الله تقتضى عدم كراهية اخوته و عدم تأمرهم عليه ، لكن القصد الالهى لم يكسر دستوراً هو وضعه كانت إحدى نصوص قوانينه هى إرساءً لحرية الإرادة الإنسانية ، لكن الله أخذ يراقب و ينتظر و يسيطر و يتحين الفرصة للتدخل ليصبح ظلام الليل ضياء ، و غيوم السماء أمطار . فكان هذا هو وجه التخالف و التفارق و التباين بين المشيئة الالهية الصالحة و القصد الالهى العجيب !
 
 و لهذا فحين تظلم الدنيا بالغيم الثقيل و يمسى الهم و الحزن طاعناً بين ضلوعنا ، حين نرمى بنظرنا محيط وجودنا فلا نجد سوى القحولة و القحط و الجدوب ، حين نطرح دلونا للملئ فلا نجد سوى الجفاف و اليبوسة و الضمور .... فهناك حتماً قصداً يستتر خلفه حكمة و محبة و صلاح بديع ، و عن وقت قريب لابد من غياب تلك السحب و حلوكتها ، و إياب التدفق و الإرواء ، الفيض و الشبع ، الانهمار و الارتشاف ، و بعد ظلمة الليل البهيم فحتماً من إشراق شمس البر و الشفاء متعلقاً بأجنحتها .