بقلم : وسيم السيسي
لم يؤرق العالم رجل مثلى، ولكنه أصبح مختلفًا تمامًا بعدى!. جئت إلى هذا العالم ١٨٠٩، غادرته ١٨٨٢م، كان والدى طبيبًا، وجدّى عالمًا، وكنت عارًا على أسرتى كما قال عنى أبى، لأنى فشلت فى دراسة الطب، والدين، والفنون!. تعرفت على جون ستيفن ١٨٢٨، وكان سببًا فى رحلة البيجل خمس سنوات، التى بدأت ١٨٣١. كان ولعى بدراسة الكائنات الحية من نبات وحيوان حتى الإنسان كبيرًا، وكانت هذه الرحلة البحرية هدية العمر. عكفت على جمع هذه الكائنات وتشريحها ودراستها، فوصلت إلى مجموعة من النظريات:
١- البقاء للأنسب «ما يناسب البيئة» وليس للأقوى كما تقولون، فقد اندثرت الديناصورات والماموث. ٢- فى حياة الفرد تتمثل حياة العصور، وقلت إن حياة الفرد يتسلق فيها على شجرة أسلافه. ٣- الثدييات جميعًا تجمعها صفات مشتركة، ثلاث طبقات لكل أنواع الأجنة. ٤- ضمور بعض الأعضاء التى لم تعد البيئة فى حاجة إليها. ٥- أصل واحد مشترك للإنسان والـAPES مثل الأورانج أوتان والغوريلا والشمبانزى، وأنتم تخلطون بين القردة Monkeys، والـ،Apes، التى ليس لها مرادف فى العربية، فتقولون القردة العليا، وتنسبون إلىَّ قولى: «الإنسان أصله قرد».
عرفتُ أخيرًا من علومكم الحديثة التشابه العجيب فى ترتيب الجينات بين الإنسان والشمبانزى، بل عدد الكروموزومات، فأنتم ٤٦ كروموزوم فى ٢٣ زوجًا، والشمبانزى ٤٨ كروموزوم فى ٢٤ زوجًا.. الصدمة العلمية أن الزوج رقم «٢» عند الإنسان إنما هو مزدوج، أى كنا ٤٨ كروموزوم قبل التحام أربعة كروموزومات فى اثنين، كما عرفت أيضًا أن فيروسات شلل الأطفال لا تصيب إلا الإنسان والشمبانزى!.
كانت القنبلة التى هزت العالم كتابى «أصل الأنواع» 1859، طُبعت منه خمس طبعات، وتُرجم إلى كل لغات العالم، ثورة عارمة من رجال الدين، وقف إلى جانبى هكسلى، وهوكر من بريطانيا، آسا جراى من الولايات المتحدة، إرنست هيكل من ألمانيا، أليكس كوفاليفوسكى من روسيا، عقدوا مؤتمرًا فى أكسفورد 1860 لمناقشتى، كانت المعارضة مريرة من فرنسا، هاجمنى الأسقف SAMUEL WILBFORCE قائلًا: «هل انحدرتَ من القردة عن طريق الأب أو الأم؟»، لم أرد عليه، ولكن Huxuly قال له: أفضل أن ينحدر من كليهما على أن يخاطب وقحًا مثلك!.
بعد أن ارتحلت للعالم الآخر، اطّلعت على التاريخ، فوجدت أن الجاحظ وابن خلدون تحدثا عن التطور، بل عرفت أن جماعة إخوان الصفا وخلان الوفا تحدثوا عن التطور من نبات لحيوان!!، كما أن أرسطو وأفلاطون ولا مارك تحدثوا عن التطور أيضًا، ولكن لأنهم جميعًا لم يأتوا بالأدلة التى أتيت بها، فلم «يحارب» إلا إخوان الصفا، هذه الجماعة العلمية الرائدة فى العصر العباسى الأول، قضوا عليها.
أنا سعيد جدًا فى عالمى الآخر، ومعى زوجتى التى تزوجتها ١٨٣٩ وأنجبت معها، لا منها، عشرة أطفال، ومما زاد فى سعادتى أن الكنيسة الكاثوليكية فى عهد البابا بيوس الـ١٢ أعلنت: نظرية التطور لتشارلز دارون للإتيان بالجسم البشرى صحيحة، إلا أن الروح من عند الله، وكان ذلك ١٩٥١م.
لى مع كاتب هذه المقالة قصة طريفة، كان الدكتور وسيم فى مؤتمر فى تونس، وكان معه دكتور محمد شرف، مدير الساحل التعليمى، ودكتور محمد عبدالعظيم، أستاذ النساء والتوليد. جاء ذِكرى، فتحدث كاتب هذه السطور عن أدلة التطور البشرى، وكيف انتصب الإنسان بعد أن كان يسير على أربع «لوسى، وآردى»، ومنها فتحات الجيوب الأنفية، والفصلة الهرمية، وعضلات الحوض الداخلية.. اعترض دكتور عبدالعظيم، ولم يكن لديهم مراجع فى تونس، وبعد العودة إلى القاهرة، جاء دكتور عبدالعظيم بهدية ثمينة قائلًا للدكتور وسيم: أنت على صواب، وكل هذا لأن صاحبى الذى يكتب عنى اهتم بالتشريح المقارن كما اهتم بنظريتى منذ أن كان طالبًا فى كلية الطب.
أخيرًا، أهديكم قول أحد الشعراء: يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته/ أتطلب الربح فيما فيه خُسران/ أَقْبِل على النفس واستكمِل فضائلها/ فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ.
نقلا عن المصرى اليوم