الأب رفيق جريش
فى ظل أزمة سد النهضة وكل المباحثات الدولية وتدخل الأمم المتحدة والأمم الإفريقية، ناهيك عن المباحثات مع السودان وتنسيق الأداء الدبلوماسى والصبر الطويل والحكيم على الحكومة الإثيوبية، لا نشعر على أرض الواقع بأن المياه تصل لمصر شحيحة، وأننا مهددون بأن تكون أقل فأقل والذى يسترنا هو ستر ربنا لمصرنا الحبيبة.
ففى ظل الجهود المضنية التى توليها الحكومة لترشيد المياه، خاصة فى المجال الزراعى، إلا أن هدر المياه الذى يتسبب فيه المواطنون هو هو. فمازال من المألوف أن نرى خراطيم المياه تتدفق لغسل السيارات أو الرش أمام «القهاوى» أو غمر الأراضى الزراعية وغيرها من العادات السيئة التى لم تعد تفيد هذه المرحلة التى تمر بها البلاد فى ظل أزمة سد النهضة الإثيوبى وأزمة المياه التى تمر بها منطقة الشرق الأوسط.
وفى إطار استراتيجية الدولة لترشيد استخدام المياه فى ظل التحديات المائية العديدة التى تواجهها البلاد مع تزايد الاحتياجات المائية المختلفة، سواء لأغراض الزراعة أو الاستخدام المنزلى، افتتح الرئيس محطة بحر البقر لمعالجة المياه بتكلفة نحو 20 مليار جنيه وبطاقة إنتاجية ٥.٦ مليون متر مكعب فى اليوم من المياه المعالجة، وهو ما يجعلها أكبر محطة لمعالجة المياه فى العالم.
والتى تمثل أهمية كبيرة فى تحقيق الاستخدام والتوظيف الأمثل للمياه، خاصة مياه الصرف الزراعى والصرف الصحى، ومعالجتها وفقا للقواعد العلمية والتكنولوجية المتقدمة لإعادة استخدامها فى زراعة أكثر من 400 ألف فدان بسيناء واستصلاح الأراضى الزراعية فى الصحراء ضمن مشروع المليون ونصف المليون فدان، وما يسمى الدلتا الجديدة، وهو ما يسهم فى تعزيز قطاع الزراعة وتحقيق الاكتفاء الذاتى والأمن الغذائى لمصر، إضافة إلى زيادة الصادرات الزراعية، إذ إن منتجاتنا أصبح عليها إقبال كبير فى دول العالم، وهو ما يكون له مردودات إيجابية للاقتصاد المصرى.
ولا شك أن معالجة المياه تعد جزءا من استراتيجية وطنية شاملة ومتكاملة للتوظيف الأمثل للمياه وتقليل الفاقد السنوى منها، تتضمن أيضا إنشاء محطات لتحلية المياه على البحرين الأحمر والمتوسط، والاعتماد على التقنيات الحديثة والمتطورة فى رى الأراضى الزراعية مثل الرى بالتنقيط، كذلك المشروع القومى لتبطين الترع بالريف، وكلها تعكس حرص الدولة المصرية على مواجهة التحديات المائية المتزايدة.
لا يخفى أن صراعات المستقبل القريب، خاصة فى الشرق الأوسط، ستكون صراعات حول المياه، فليس فقط هناك أزمة سد النهضة، ولكن المياه تشح فى البلاد المجاورة، مما جعل الأردن - على سبيل المثال - يشترى المياه لأن مياه نهر الأردن تشح وتتبخر وتُسرق، وكذلك نهرا دجلة والفرات اللذان يغذيان سوريا والعراق، فى المقابل فإن نجاح الاستراتيجية الوطنية للاستخدام الأمثل للمياه يتطلب أيضا المشاركة الإيجابية من جانب المواطنين فى ترشيد استخدام المياه سواء فى استخداماتهم اليومية أو فى مجال الزراعة، وهو ما يُسهم فى التغلب على التحديات المائية التى تواجهها مصر.
هذه المشروعات العملاقة لا تمنع أن نرفع وعى المواطنين عن أهمية قطرة المياه ونمتنع عن إهدارها فيما هو غير مفيد، ولذا علينا أن نغير من نمط حياتنا وسلوكياتنا مع ما يتوافق مع أوضاعنا اليوم من قلة المياه، وذلك من خلال أجهزة الإعلام والصحافة وحث المحليات على مراقبة المخالفين وغيرها من الوسائل جنبا إلى جنب مع المشروعات والتحديث للبنية المائية التى تتأسس حاليا.
نقلا عن المصرى اليوم