Ιωαννης Χρυσοστομος
الي الشماسة اولمبياس
Ολυμπιας
القمص اثناسيوس فهمي جورج
كانت اولمبياس الشماسة من أعظم وأنبل أحباء القديس يوحنا الذهبي الفم ، وكان أيضاً القديس اغريغوريوس النزينزي Γρηγοριος θεολογος يدعوها : " مجد الأرامل في الكنيسة الشرقية " ، وكان يوليها اهتماماً كبيراً حتي أنه كان يدعوها في إحدي رسائله بلقب ( صغيرتي ) وهي كانت تدعوه ( ابي ) ، وقد اوصاها اغريغوريوس اللاهوتي بأن تكون مثلاً حياً في كل قول وكل فعل . كذلك أهداها القديس اغريغوريوس النيصي Γρηγοριος Νυσσης كتابه في " تفسير نشيد الأنشاد " لكونها قادرة علي تقدير قيمته . تشربت هذه النبيلة اولمبياس ολυμπις روح الكتاب المقدس، وخضعت لتعاليم الكتب الإلهية في كل شيء ، كما تأثرت بسيرة العالمة العلامة الأم ميلانية الكبري في محبتها للقراءة والحكمة ، وفي سلوكها بتقوى ووقار . عند زواج اولمبياس كان لها دوراً كبيراً في حياة بيتها ومساندة زوجها بثقافة بيتية قوية وبفلسفة العلم والكمال الأخلاقي كونها ملازمة لبيتها ( مسمرة في بيتها ) . حررت قلبها من كل هم ، حيث سكبت في منزلها التعزية والسلام ، وبذلك روضت زوجها كترويض الأسود ، بلطفها وبشاشتها ووداعتها وهدوء نفسها ، مشاركة له اهتماماته ، رافضة للانشغالات العالمية والملاهي وارتياد المسارح . لكن الله سمح بترملها في حقبة كانت هي فيها صغيرة السن وفي احسن حال وفي زهرة العمر ، غارقة في كرم الاصل والغني والثقافة . وهنا أراد الإمبراطور أن يزوجها أحد أقاربه لكنها رفضت وقالت : لو كان المسيح مليكي اراد لي بالزواج لما اخذ زوجي !! ؛ لكن الإمبراطور أراد أن يضغط عليها حتي ترضخ لأمره ، واضعاً ثروتها تحت الوصاية حتي تبلغ الثلاثين من عمرها ، لكنها استطاعت ان تقفز مثل الغزال متخطية فخ الزواج الثاني ، تاركة عنها جمالها ومالها وغناها . وكتبت للحاكم تشكره لأنه رفع عنها نير تدبير أموالها وأنه بالأحرى يكمل سرورها بالأكثر ، لو أمر بتوزيع أموالها علي الفقراء ، لكن الإمبراطور رد لها حرية التصرف فيها ، فنذرت ثروتها وحياتها لخدمة السيد الرب υπηρεσίας ، خادمة للكنيسة διακονον ، خادمة لاحتياجات القديسين كما يحق للقديسين αξιως των αγίων ، وعملت في خدمة فقراء ومشاريع مستشفيات الكنيسة بسخاء .. وقد أنشأت ( بيت Καταγωγιον ) للعذاري ( بارثيني παρθενοι ) جمعتهم فيه ، لكي وبهذا تلالا في جهادها ، وصارت مكرمة جداً ومصارعة من أجل الحق ، واعترفت في سبيل الأمانة ، كذلك حظيت بخدمة القديس يوحنا الذهبي الفم في حياته البسيطة الزاهدة واهتمت بجسده المعتل . لكن نفي القديس واضطهاده سبب لها ألماً ويأساّ عميقاّ . هذا وقد احتفظ تراث ( أدب الآباء ) برسائل سبعة عشر ، كان ذهبي الفم قد ارسلها لها ، يفصح فيها عن عمل التعزية وسط الآلام والضيقات . كذلك أبرزت كتابته لها أهمية الرسائل ، كوسيلة فاعلة في اختزال البعد المكاني ، لنقل المشاركة و بهجة الوجدانات التي تغمر النفوس المنجمعة حول محبة المسيح وخدمته ، بعد أن قدسها مسيحنا بدم ذبيحة صليبه الإلهي ، رافعا عنها شوكة الخطية ، مبطلاً سمها في خلايا جنسنا البشر ....
لقد حوت هذه الرسائل علي تعزيات وأشفية تداوي الجراح وتضمدها ، وتعالج غمامة الإرباك العقلي الذي تتعرض له النفوس المجربة ، كي تتطلع بوقار وخشوع κατά τάξιν ، شاخصة نحو الملاح الحقيقي والربان الإلهي الذي يقود كنيستنا ونفوسنا ، وسط الأمواج والأعاصير . فالمسيح يقودنا بمهارة يديه وحده ، كي يبدد كل المخاوف المظلمة ، ويلاشي العداوات والمؤمرات ، ويبطل الاتهامات الكاذبة . فيصير ظلم الظالم كزهر العشب ، و تبطل حيلة العدو وكل مصادراته وتهديداته وإهاناته ، لأن الله إلهنا الذي نجي الفتية هو ينجينا أيضاً ، فهو أمس واليوم وإلي الأبد ، القادر وحده أن يفعل فوق كل شيء أكثر جداً مما نطلب أو نفتكر ( اف ٣ : ٢٠ ) . هذه الكلمات كان يكتبها يوحنا الذهبي الفم ، وهو في منفاه ليرسلها إلي تلميذته اولمبياس الشماسة بالقسطنطينية . لم يضعف ذهبي الفم قبالة أتعاب الجسد والنفي والبرد والشدائد ، لكنه بقي غير مرتاع ولا متزعزع ولا خائر ، بينما هو متثقل فوق الطاقة ، وبينما كان له حكم الموت في نفسه ، ايضا كان يخاطب اولمبياس ويدعوها ب " الشماسة " و " السيده الجزيلة الاحترام " . يخاطبها كأسقف ومرشد ومعلم لأحد رعاياه والخادمين معه ، إذ راى أن مراسلاته هذه علاج وراحة وتعزية وتقوية لنفسها ، وسط أجواء السقوط في بلاعة اليأس والضعف النفسي والجسدي والترمل .
كتب لها كي تبتهل وتتشجع παρακαλεω تطرد الحزن الذي يخيم عليها ، مستودعة παρατιθημι نفسها في يد الله ، فتطير فوق القمم ، وتحوم فوق الظلام والدخان اللذان يغلفان الحياة البشرية اذ لكل شيء نهاية . نصحها بحفظ البسالة وبالشكر Αίνος ، وبتعديل دفة مركب حياتها ، كي تعبر اعاصير الحياة وملاطمات الامواج واللاخطار .. لان لدينا ربان لايحتاج الي مهارة الصنعة حتي ياتي بنا الي بر الامان ، انه ميناء الذين في اللجج والعواصف ، كلمة منه واحدة تكفي ليصنع عجبا . كتب لها ضمن ماكتب في رسالته السابعة حتي لا تضطرب ، حيث ان اخطر محنة هي محنة الخطية .فالمؤمرات والاحقاد والخيانات والوشايات والمسبات والاتهامات والمصادرات والمنافي والاستبعادات والمجازر والحرايق والغرق كلها ، وقتية عابرة ولاتصل الا الي أجسادنا الفانية ، ولا سلطان لها علي الروح . ( فكل مجد بشري هو كزهر العشب ) اش ٤٠ : ٦ . اننا نري مهارة العناية الإلهية وعمل الله العجيب في توجية الاحداث فكما كان يعظ علي المنابر فيسبي القلوب وينتزع التصفيق اللاإرادي ، كذلك كانت مراسلاته مشفية ومثمرة بالبرهان العملي . بل إنه وعد شماسته بالمزيد من المراسلات كمكفاءة لها ؛ حتي تسترد وتسترج