سحر الجعارة
(تجارة «المنشطات الجنسية» تصل إلى 2 مليار جنيه.. وتمثل 2.8% من سوق الدواء).. هذا الرقم الصادم الذى تصدَّر تقرير «المصرى اليوم» وعنوانه: «السعادة الزائفة» يبين لنا الثقافة الغائبة عن مجتمعنا، فالتقرير الذى أعدته الزميلة «ريهام العراقى» أكد أن البعض اختزل السعادة فى «الفحولة» والرضا الجنسى داخل غرف النوم.. وبالتالى تغييب قيم العلم والعمل والحب بمفهومه الأشمل والنزعة الانعزالية عن المجتمع فى جيتو جنسى تغذيه فتاوى ملتهبة تتحدث عن أساطير الفحولة والحور العين!.

فى المقابل، ستجد مفهوم السعادة مثلما تعرّفه الأمم المتحدة مرتبطًا بـ«مدى رضا الشخص عن حياته».. ومنذ 2012 دأبت الأمم المتحدة على إصدار تقرير لقياس مؤشرات السعادة فى دول العالم، منها «نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى، ومتوسط عمر الفرد، وحرية اتخاذ القرارات، وجودة الخدمات الصحية والتعليمية، وانعدام الفساد، وانتشار العدل».. لاحظ أن الأمم المتحدة تتحدث عن العدل وحرية اتخاذ القرار، لكن يبدو أننا عندما نتحدث عن «فلسفة الحياة» لا نربطها بالحرية!.

لا أحد يتحدث الآن عن حرية الفكر والاعتقاد والحريات السياسية، ولا عن حرية التعبير التى طغت عليها «أغانى المهرجانات».. بينما الشاب الذى يبحث عن الفياجرا وهرمونات الجيم ليس حرًا من عقده الشرقية والتعامل مع الجنس باعتباره الجزء الحسى فى الحب، ولا هو تجاوز نظرته الدونية للمرأة مهما تعاطى من مخدرات لبيئته وتنشئته الاجتماعية!.

ربما ما كتبته ليس المقدمة الرومانسية المؤثرة للحديث عن تجربة المعلم الروحى ورئيس دير «سانغشين أوجين تسوكلاغ» بمقاطعة ترونغسا بمملكة بوتان، خيدروتشين رينبوتشى، الذى يبلغ من العمر 31 عامًا، وكرس السنوات الـ12 الأخيرة من حياته لتعليم العالم المبادئ البوذية، وكيف يمكن تطبيقها لجعل الحياة أكثر سعادة كل يوم، بغض النظر عن ثقافة المرء أو دينه.. ويقول رينبوتشى: «السعادة الوطنية الإجمالية هى مجموعة من الظروف الجماعية، كما أنها ضرورية بشكل عام لتعيش حياة جيدة».

وقد وضع مفهوم «السعادة الوطنية الإجمالية» الملك الرابع لبوتان، جيغمى سينغى وانغتشوك، فى عام 1972. وتتجنب بوتان المقاييس الاقتصادية التقليدية، وتُقيم الرفاهية العامة للبلاد بناء على أساس التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة والعادلة، والحفاظ على البيئة، والحفاظ على الثقافة وتعزيزها، والحكم الرشيد.

المفهوم الذى يتبناه «رينبوتشى» يُصادر النزعة الفردية والأنامالية ويُعلى من قيم المجتمع، وهذا بالمناسبة لا يتعارض مع الاقتصاد الحر ولا يلغى الفوارق الطبقية لكنه يُرسى مبدأ «العدالة»، فكلنا شركاء فى الحفاظ على البيئة، وهذه لا تقبل القسمة على «غنى وفقير».. كلنا شركاء فى التنمية من المستثمر لآخر عامل، لهذا فهو مفهوم طارد لاستغلال الإنسان ولو بالاتجار فى الممنوعات لتحقيق «السعادة الزائفة» له.

بعدما اجتاح الوباء العالم قرر «رينبوتشى» تعميق تجربته الخاصة وعزل نفسه: (ذهبت إلى الجبال وعشت هناك بالقليل جدًا من الطعام وفى ظروف مناخية قاسية، وكنت أقيم فى كهف بلا مأوى. لقد أعطانى ذلك الوقت اللازم حقًا لكى أستوعب تعاليمى الخاصة. وما أصبح واضحًا للغاية هو أن السعادة الحقيقية لا علاقة لها بأى ظواهر خارجية، لكنها شىء فطرى).

ويلخص «رينبوتشى» رحلته لإيجاد السلام النفسى، قائلًا: «يجب أن نتوقف عن البحث عن السعادة فى التجارب خارج أنفسنا. هناك، فى رأيى، أربعة أعمدة للسعادة: اللطف، والرحمة، وعدم التعلق بالأشياء، والكارما (نتائج وتبعات تصرفات الشخص)».

هل فكرت يومًا بمنطق اللطف مع نفسك أولًا، بألا ترتبط بالأشياء «ثروة أو نجاح... إلخ» بل بالناس، بأن العطاء فى حد ذاته يحقق السعادة: فكر كأنك بوذى.

s.gaara@almasryalyoum.com
نقلا عن المصرى اليوم