القس رفعت فكري سعيد
أثناء احتفالية إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، تحدث الرئيس السيسى بوضوح عن دور مصر الرئيسى فى صياغة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فقال:
«وأود فى هذا السياق أن أشير إلى أن مصر كانت من أولى الدول التى ساهمت فى صياغة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عام ١٩٤٨، حيث لم تتوقف مساهمتها فى هذا المجال عند هذا التاريخ بل استمرت وإلى الآن بإيمان عميق واقتناع وطنى ذاتى بأهمية اعتماد مقاربة شاملة وجدية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية».
وبالفعل لقد لعبت مصر دورًا أساسيًا فى صياغة أول وثيقة دولية لحقوق الإنسان، وهى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وقد كان الدكتور محمود عزمى، مندوب مصر الدائم فى الأمم المتحدة وقتها، وشارك فى الدور الأساسى فى صياغة المسودة الأخيرة لمشروع الإعلان، الذى قدم إلى الجمعية للأمم المتحدة التى أصدرته بالفعل دون إدخال تعديلات عليه، كما شاركه فى هذه الصياغة الدكتور شارل مالك، مندوب لبنان فى الأمم المتحدة، كما أن مصر وقعت على كل الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وصدق على التوقيع السلطة التشريعية، مما أكسب هذه الاتفاقيات قوة القانون.
ومن بين هذه الوثائق العهد الدولى للحقوق السياسية والمدنية والعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ووثيقة الحق فى التنمية وما يتعلق بحماية المرأة، وبذلك تعتبر مصر من أوائل الدول التى تفهمت أهمية حقوق الإنسان للمجتمعات البشرية فى عالم يموج بالصراعات وأنظمة الحكم الاستبدادية والسلطوية، التى تحرم شعوبها من كثير من حقوقها الأساسية. وكان لهذا الموقف المبكر لمصر من حقوق الإنسان أثره فى تطلع المصريين للتمتع بالحقوق التى نصت عليها وثيقة الإعلان العالمى وما تبعه من وثائق.
والإعلان العالمى لحقوق الإنسان يُعتبر وثيقة إنسانية رائعة، لأنه فى مجمله يدعو إلى قيم المساواة والحرية والرحمة والحب، كذلك فإننا نجد الإعلان العالمى يرفض كل أشكال التمييز بين البشر، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو اللغة، كما أعطى الإعلان لكل فرد الحق فى الحياة وحرية الفكر والضمير والإبداع والاعتقاد وسلامة شخصه دون أى تفرقة مطلقًا بين الرجال والنساء، وعلى الرغم من أن كرامة الإنسان مهدرة بقوة ووضوح لا تخطئه العين فى منطقتنا العربية فإننا نثور ونغضب عند ازدراء الأديان، ولا يتحرك لنا ساكن عند ازدراء الإنسان!!.
إن احترام حقوق الإنسان- أى إنسان- هو المعيار الحقيقى لتقدم المجتمعات والأمم، فإذا أردنا أن نقيّم مستوى دولة ما فلنطّلع على مدى احترامها معتقدات الآخرين ومدى احترامها حرية العبادة وإقامة الشعائر الدينية، ومدى حرية بناء أماكن العبادة، ومدى احترام الدولة للمرأة واعتبارها كائنًا إنسانيًا كامل العقل وإعطائها كافة الحقوق أسوة بالرجل، إن مدى تقدم أى دولة يُقاس بكيفية معاملة المرضى بالمستشفيات بها، ففى المستشفى يمكننا أن نكتشف إلى أى مدى يُحترم الإنسان، وكذلك يُقاس مدى تقدم الدولة بكيفية معاملة الأجنة، والأطفال، والفقراء، والضعفاء الذين ليس لهم سند، وذوى الاحتياجات الخاصة، والعاجزين، وكبار السن، فهنا تحديدًا نجد معيار التقدم لأن فى هؤلاء الأشخاص نجد ضعف الإنسان.
وإذا كان هناك احترام وتقدير وابتسامة لهؤلاء الأشخاص الضعفاء، فهذا هو الدليل الأكبر على تقدم شعب ما، وكذلك الحال فى احترام المُهمَّشين، والأقليات، واحترام المواطن العادى البسيط الذى ليس له وساطة، إن التقدم الحقيقى ليس تقدمًا استهلاكيًا بتشييد المصانع، وإنشاء الكبارى، وبناء أماكن العبادة والتباهى بضخامتها وفخامتها وترميمها وتوسيعها وتزيينها فحسب، إنما التقدم الحقيقى ما لم يكن تقدمًا إنسانيًا فهو ليس بتقدم على الإطلاق، لأن معيار التقدم هو طريقة معاملة الآدمى معاملة إنسانية راقية، وبهذا المعنى نحتاج أن نسأل أنفسنا بين الحين والآخر هل نحن حقًا متقدمون؟!.
إننى أدعو وزير التربية والتعليم لأن يضع الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ضمن المواد الأساسية التى تدرس فى مرحلة التعليم الابتدائى، حتى نضمن تنشئة جيل واع وفاهم ومدرك ومطبق بالفعل لحقوق الإنسان. كما نحتاج لتعديل بعض التشريعات التى تتعارض مع مواد هذا الإعلان لتصبح تشريعاتنا تشريعات حداثية تخلو من أى ظلم أو تمييز على أساس الدين والجنس.
هذا إذا أردنا بالفعل أن نفعل حقوق الإنسان!.
refaatfikry@gmail.com
نقلا عن المصرى اليوم