سحر الجعارة
«مرة واحد صعيدى».. هكذا تسللت جريمة «التنمر» إلى اللاوعى وسكنت عقولنا دون أن تهتز ضمائرنا ولا نشعر إلا أنّا «نكره الآخر فى الله»، نسخر من الآخر أو نمارس القهر ضده.. أو بالتعريف القانونى للتنمر فى المادة 189 لسنة 2020 من قانون العقوبات: (يُعد تنمرًا كل قول أو استعراض قوة أو سيطرة للجانى أو استغلال ضعف للمجنى عليه.. أو لحالة يعتقد الجانى أنها تسىء إلى المجنى عليه كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعى.. بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه أو إقصائه من محيطه الاجتماعى).. فهل حقق القانون العدالة واقتص للضحية؟
الحقيقة أن «التنمر» فى بلادى جريمة مراوغة يستحيل إثباتها فى حالة تلبس!.
والمسافة بين براءة المتهم أو إدانته ملف من الأوراق أو كاميرات بموقع الجريمة تكون معظمها فى يد المتهم.. والشهود غالبًا تنطبق عليهم أوصاف الوقوع «تحت سيطرة الجانى».. بموجب القانون، استعراض القوة فى حد ذاته تنمر، فما بالك إذا ما استُخدم لإجبار المجنى عليه على التنازل عن حقه؟!.
فى بلادى، إذا دهست سيارة مواطنًا وفر قائدها فستجد كاميرات محايدة و«شهود عيان» لا يعرفون الطرفين.. بينما مَن تعرض لدهس إنسانية يجد نفسه عاجزًا عن إثبات جريمة هى خليط من جرائم الكراهية والتحرش اللفظى وتبديد الأمن الاجتماعى!.
نحن لدينا «خطاب دينى» عنصرى بامتياز، يغرس فى وجدان الأطفال المسلمين منذ الصغر أنهم «الأفضل»، وأن المسيحى «كافر»، ومع الكبر تستمر تغذية النزعة العدائية.. خطاب يتحدث عن فقه الجوارى فى تحريض ممنهج للشباب على هتك أعراض الصبايا، باسم الدين مرة: (لأنهن لا يرتدين الحجاب)، ثم باسم العادات والتقاليد، لدينا منتقبات يرفعن دعاوى قضائية لدخول الجامعات.. وعليه تتم استباحة أعراض النساء، تمامًا كما سقطت حرمة الكنائس، وقدسية حق الفرد فى الأمن والسلام.
عندما يقول الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، خلال مكالمة هاتفية ببرنامج «التاسعة»، تقديم الإعلامى «يوسف الحسينى»، على القناة الأولى: (لما حد يضايق بنت ماشية، تسىء لناس تخليهم خايفين وهُمَّه ماشيين إنك تتحرش بيها أو تتنمر بيها أو حتى تدوس عليها، ده يتغير إمتى، بالثقافة بس؟ لا بالقانون، بممارسات قانونية مضبوطة لضبط المجتمع.. حقوق وواجبات ومعاقبة المتجاوز، وإحنا رايحين لده).. فالرئيس يتحدث عن حق من «حقوق الإنسان»، لكن يظل القانون الرادع والعقوبات المُغلَّظة بحاجة إلى مجتمع ناضج متجاوز أمراضه النفسية ومفاهيمه الخاطئة عن الدين، مجتمع صحى عنده قبول للاختلاف وليس متحفزًا لاغتيال الأقليات الدينية والعرقية بالسخرية والتهكم.
فى مجتمع يتفشى فيه خطاب دينى «إقصائى»، يلقى بالطفل المسيحى فى الفناء حتى يتمكن نظيره المسلم من تحصيل «حصة الدين»، لا تتوقع أن ينتج لك هذا المجتمع إلا متطرفين على الجانبين.
(هانى طلع كوفتس): إنها أشهر جملة فى فيلم «لا مؤاخذة» تكشف التمييز والعنصرية بين الطلاب فى المدارس، و«التعصب بالفطرة» ضد المسيحيين لأنهم تربوا فى منازل وحضانات ومدارس تغذى «كراهية الآخر» فى نفوسهم، واستمعوا إلى منابر تطلق صيحات التكبير ثم تدعو على «النصارى واليهود».. هم نفس الناس الذين يطلقون تحية الإسلام فى وجه «الخواجة».. ويحبون «فى الله» على السوشيال ميديا.. وحتى الآن لم أفهم الحب والكراهية «فى الله»!.
التنمر جريمة ضد الإنسان لا تكفر عنها عقوبات العالم، ولا تبررها صورة بالحجاب فى الرقم القومى تقضى على صاحبته لأنها خلعته، ولا فستان حشمة فى الشارع أو الجامعة!.. فليس بيننا مَن يخلع ديانته (هانى وُلد مسيحيًا).. ولا يغير جلده.. وفى هذا الإطار يُعد التنمر تهديدًا للأمن القومى للبلاد رغم أنك تردد نكاتًا ألفتها وألفاظًا اعتدت ترديدها!.
فى بلد يتم فيه هتك عِرْض طفلة، (11 سنة)، عقب انتهاء حصة تحفيظ القرآن، لا تُحدِّثنى عن الشعب المتدين بالفطرة المحافظ بطبعه.. حدِّثنى عن القانون والعدالة والثقافة السائدة.. أو اصمت حتى لا توقظ شياطينهم.
«الدولة المدنية» ليس فيها محفظ قرآن ينتهك الأعراض، وازدراء على «الهوية».. «الله يعينك يا ريس».
s.gaara@almasryalyoum.com
نقلا عن المصرى اليوم