الأنبا موسى
حسن أن يكون شعار المرحلة القادمة: «الإنسان الجديد الصانع سلامًا».. فهذا يحمل عدة أبعاد منها:
1- البعد الإنسانى:
فما أرخص إنسان هذا القرن، وما أهون إنسان الشرق الأوسط!! كثيرًا ما كان الإنسان وقودًا لحروب طاحنة: دينية، وعرقية، وقومية، تمتد عبر خريطة العالم..
وفى هذا الصدد نشيد بالمبادرة التى أطلقها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» والتى علقت عليها السفيرة مشيرة خطاب- فى جريدة المصرى اليوم - بقولها: «الدين مكون مهم جدًا فى حياتنا والمشكلة الحقيقية أن البعض استغل الدين كى يقهر حقوق الإنسان، واليوم نبرئ الدين من هذه المشكلة، ونقول إن هناك أشخاصا أساءوا تفسير الدين، موضحة أن المبدأ الأول فى حقوق الإنسان هو عدم التمييز وعدم السؤال عن الدين أو الجنس».
وذكرت أن سيادة الرئيس تطرق للحديث عن أحد الملفات التى يخاف الجميع من الحديث فيها، موضحة: «الرئيس كسر تابوهات كتيرة جدًا. وفى إطلاق هذه المبادرة أشار أحد الكتاب إلى أنها تلخص مبادرات سيادته، منذ توليه السلطة فى مصر، مثل مبادرات: حقوق المرأة والطفل والشباب والحقوق السياسية، كما تجهز هذه المبادرات لـ5 سنوات كى تكتمل بشكل نهائى أمام المصريين وأمام العالم.
لذلك فالتركيز على الإنسان أمر هام فكثيرًا ما نهتم حتى فى دور العبادة بالتشييد، وزخرفة المكان، وقد نتناسى الطفل الجائع واليتيم، والمرأة الأرملة والشاب المتعطل، غير القادر على الزواج، والمطحونين بالفقر والجهل، والمرض، والمظالم.. وكما قال السيد المسيح: «كَانَ يَنْبَغِى أَنْ تَعْمَلُوا هذِهِ وَلاَ تَتْرُكوا تِلْكَ» (متى 23:23).
وقد خلق الرب الإنسان على صورته، فى: القداسة والحرية والخلود، وخلقه للتمتع بخليقته، بعد أن أعد له كل شىء، وأكثر من ذلك فقد ذكر القديس بولس الرسول فى رسالته إلى تلميذه تيموثاوس على أن الله: «يمنحنا كل شىء بغنى للتمتع» (تيموثاوس الاولى6: 17)، فالرب خلق للإنسان كل شىء ومنحه كل شىء بوفرة للتمتع، وخلقه لأنه يحبه، والكتاب المقدس كله يتمحور حول حب الله للإنسان.
«- قال الله لآدم وحواء: أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض» ( تكوين1: 28)
وأيضًا: «أخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض» (تكوين2: 28 )، فالإنسان هدف والأرض وسيلة.
2- البعد التربوى المستقبلى:
لا شك أن الحديث عن إنسان جديد هو حديث عن المستقبل، فالتجديد عملية تبدأ فى الحاضر، وتستمر فى المستقبل، والمستقبل هو الإنسان والله، ولابد أن يكون شغلنا الشاغل.
- إذ أن المستقبل هو الذى يحدد خطوة الحاضر، فحينما يتحدد الهدف وتتضح الرؤيا، ترسم الخطوات ويستقيم الطريق.
وإن كان العالم يتحدث عن «صناعة الطفل»، فلا شك أن الجهات التى تهتم بالتربية هى المنوطة بالاهتمام بهذا التوجه المستقبلى، لبناء الإنسان الجديد فى العالم أجمع. وليتنا نهتم بالطفل، والشاب، والمرأة، والأسرة، والأحوال الشخصية، والمدرسة.
3- البعد المجتمعى:
فالإنسان الجديد الذى نهدف إليه، لن يحيا فى جزيرة معزولة، فالإنسان اجتماعى بطبعه كما أنه يحتاج نفسيًا إلى الانتماء إلى جماعة.. من هنا يكون لهذا الشعار (الإنسان الجديد) بعده الأسرى والمجتمعى: الوطنى، والقومى، والعالمى.. وها نحن نحيا فى مواجهة عائلات مفككة، تعانى ضحالة الروح والمعرفة والتواصل.
- وفى مواجهة أصوليات دينية تكفرَ من حولها، وتلجأ إلى التطرف والتعصب والإرهاب بأنواعه المختلفة.
- كما أننا فى مواجهة ثقافة كوكبية، من خلال الطوفان الإعلامى الطاغى، والذى أثر بالقطع على الثقافات والحضارات، ونسق القيم فى المجتمعات والدول المختلفة، حيث سوف تغطى ثقافات العولمة: ثقافة الغرائز، والأنا، والاستهلاك على ما عداها من ثقافات..
- من هنا يكون دورنا التأصيل الروحى، والثقافى للأجيال القادمة، من خلال نشاطات تربوية، وكوادر فاعلة وبرامج بناءة، قادرة على التصدى والتحدى.
4- البعد الإنمائى:
فالتجديد يشمل بالضرورة الإنماء الشامل للشخصية الإنسانية بكل أبعادها: الروحية، والعقلية، والنفسية والبدنية والاجتماعية.
ومع أن جهود التنمية كثيرًا ما تجنح إلى الاهتمام بالجانب المادى والغذائى للبشر، من خلال مشروعات صغيرة، أو متوسطة، أو كبيرة، أو من خلال مراكز التدريب المهنى، أو غير ذلك.. إلا أن إنماء الإنسان: روحيًا، وثقافيًا هو الركيزة الجوهرية، التى بدونها لا تنجح التنمية المادية إطلاقًا.
فما قيمة أن يحصل العامل على دخل مادى جيد، ثم يستهلكه فيما يضره: فى السجائر أو الخمور أو المخدرات؟! إن مثل هذا الإنسان سيدمر نفسه وأسرته، بل وربما مجتمعه أيضًا.
وما قيمة أن نبنى الكبارى ليدمرها الإرهابيون بالقنابل؟!
من هنا كان لابد من التركيز على إنماء الإنسان نفسه: روحيًا بالتدين السليم، وثقافيًا بمحو أميته، وإيقاظ وعيه، وتحريك إسهاماته فى الأسرة والوطن، ليشارك فى صنع القرارات، وفى بناء الجماعة الإنسانية التى ينتمى إليها.
نقلا عن المصري اليوم